الأربعاء, 1 أكتوبر 2025 04:13 PM

كيف تحولت الجماعات المتطرفة إلى أدوات في استراتيجية "الفوضى الخلاقة" بالشرق الأوسط؟

كيف تحولت الجماعات المتطرفة إلى أدوات في استراتيجية "الفوضى الخلاقة" بالشرق الأوسط؟

يشهد الشرق الأوسط منذ عقدين تحولًا كبيرًا في طبيعة الصراعات، فلم تعد الحروب مقتصرة على الجيوش النظامية، بل أصبحت التنظيمات الراديكالية المتطرفة طرفًا رئيسيًا فيها. هذه التنظيمات، التي بدأت كـ"تمردات عقائدية" محدودة، نمت لتصبح قوة عابرة للحدود، قادرة على السيطرة على مناطق واسعة وتغيير الخرائط الجيوسياسية.

إن فهم نشأة هذه التنظيمات، المصنفة كتنظيمات إرهابية، يتطلب فهمًا دقيقًا لمصطلح الإرهاب وتعريفه، وهو التعريف الذي لم تتفق عليه المنظمات الدولية والدول الراعية لهذه المنظمات. هذا الغموض المتعمد يخدم مصالح معينة، حيث يسمح بممارسة الإرهاب ضد المعارضين وتبرير استخدام العنف ضدهم، خاصة الشعوب التي قد تثور ضد الحكام الخاضعين لتلك الجهات، كما نرى في سوريا والعراق ولبنان واليمن وفلسطين.

عرّفنا الإرهاب، بناءً على خبرتنا ودراساتنا، بأنه "عمل عنفي يستهدف إخضاع الجماعة لآرائه وفرض معادلة مغايرة بالقوة، من خلال بث الخوف والقلق". الإرهاب هو وسيلة تستخدمها الأفراد والجماعات ضد الحكومات، وقد تستخدمه الحكومات ضد مجموعات داخلية، أو الدول العظمى ضد أنظمة تعتبرها مارقة.

إن التفسيرات التقليدية التي تركز على الفكر المتشدد أو التهميش الاجتماعي لا تكفي لفهم المرونة والقدرة اللوجستية لهذه التنظيمات. السر يكمن في أنها ليست مجرد نتاج بيئات متصدعة، بل هي أدوات وظيفية تخدم مصالح أكبر وأكثر تعقيدًا. التبسيط في تحليل نشأتها وعملها يخدمها ويخدم الجهات التي تقف وراءها. فبينما ينشغل المحللون بجذور الفتاوى والأفكار، تغفل الأغلبية عن آليات التمويل والتوجيه التي تمنحها قوتها.

لقد أثبتت التجربة أن مناطق نشاط هذه التنظيمات وتوقيت تصعيد هجماتها يتناسب مع نقاط الضغط الجيوسياسي التي تحتاج إليها القوى الإقليمية والدولية لإعادة تشكيل موازين القوى. هذا التناغم بين أفعال التنظيم وأهداف الدول الفاعلة يشير إلى تداخل عميق في الهيكل التنظيمي والعملياتي.

يمكن النظر إلى التنظيمات الراديكالية مثل "داعش وأخواتها" على أنها "شركات مساهمة متعددة المهام والأهداف"، ومخترقة من قبل أجهزة المخابرات في الدول الفاعلة. هذا الاختراق ليس سطحيًا، بل يتمثل في اشتراك مندوبين من تلك الدول في صناعة القرار الداخلي لهذه التنظيمات. هذا يفسر سبب ازدياد نشاطها في أحداث ومناطق محددة، حيث تُوَظَّف لتحقيق هدف تكتيكي يخدم الهدف الاستراتيجي لمشغليها.

لقد ساهم تنظيم "داعش" في تفاقم الصراعات الطائفية والسياسية في الشرق الأوسط، مستغلًا الانقسامات بين السنة والشيعة. في العراق وسوريا، أدت سيطرة داعش إلى تهجير ملايين الأشخاص، وتدمير البنية التحتية، وتفاقم الأزمات الإنسانية.

إن توظيف التنظيمات الراديكالية يندرج في إطار ما عُرف بـ "الفوضى الخلاقة"، وهي استراتيجية بَشّرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس. الهدف هو تفتيت المنطقة وإعادة صياغة الخارطة الجيوسياسية، من خلال تأجيج الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية والقومية. وبذلك تكون التنظيمات الراديكالية قد أدت الدور المطلوب منها بنجاح، وهو دور له ثمن باهظ سيدفعه الخاسرون، بينما يحصل على الجائزة الكبرى من يحقق أهداف الدول التي وظفت هذه الفوضى. الكاتب هو خالد المطلق.

مشاركة المقال: