الأحد, 16 نوفمبر 2025 07:34 PM

مزارعو دير الزور يدفعون ثمن التماس العسكري: أراضٍ زراعية تتحول إلى مناطق خطرة

مزارعو دير الزور يدفعون ثمن التماس العسكري: أراضٍ زراعية تتحول إلى مناطق خطرة

دير الزور – مروان المضحي: على طول امتداد نهر الفرات في ريفي دير الزور الشرقي والغربي، تحولت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة إلى أراضٍ بور. يواجه المزارعون مأزقًا معيشيًا واقتصاديًا ليس بسبب الجفاف أو نقص البذور، بل نتيجة للتموضع العسكري على ضفاف النهر.

تشكل النقاط العسكرية التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في الضفة المقابلة تهديدًا مباشرًا لحياة الفلاحين، مما أدى إلى شلل شبه تام في النشاط الزراعي بالمناطق المحاذية. هذا الشريط النهري الحيوي الذي يغذي المحافظة، أصبح "نطاق تماس" يحمل مخاطر جسيمة.

القنص يهدد حياة المزارعين

الوضع الأمني المتدهور هو أبرز أزمة تواجه المزارعين. أكد محمد عبد الرزاق الصالح، من بلدة محكان بريف دير الزور الشرقي، أن شقيقته تعرضت لحادثة قنص قبل أشهر، ضمن سلسلة اعتداءات من قبل نقاط "قسد" تستهدف المدنيين القريبين من النهر. وأضاف: "الأرض ملكنا ولها تاريخنا، ولكنها اليوم لا تختلف عن أي منطقة عسكرية".

الخطر لا يقتصر على الرصاص الطائش، بل يشمل استهدافًا مباشرًا لكل من يحاول العمل أو تشغيل مضخات الري، مما يجعل حياة الأهالي مهددة على خط النار. جمع الحطب أو حرث التربة تحول إلى مغامرة مميتة.

أشار ثائر الدامواك، العامل في محطة "محكان"، إلى أن هذه "البيئة العدائية" أجبرت العديد من العائلات على هجر أراضيها القريبة من النهر، بينما تحاول عائلات أخرى الاكتفاء بزراعة محاصيل شتوية لا تحتاج إلى عناية متكررة أو سقاية صيفية، مما يقلل من مردودها الاقتصادي بشكل كبير.

أزمة الري تزيد المعاناة

لا يقتصر الضرر على القنص والتهديد المباشر، بل يمتد ليشمل البنية التحتية للري. تقع العديد من جمعيات ومحطات الضخ الرئيسية بالقرب من نقاط "قسد"، مما يجعل الوصول إليها بغرض التشغيل أو الصيانة أمرًا بالغ الخطورة.

أوضح العامل في محطة "محكان" أن ثلاثة خزانات تصفية في بلدة محكان بريف دير الزور الشرقي قد خرجت عن الخدمة، ولم تتمكن ورشات الصيانة من العمل عليها بسبب الاستهداف المتكرر من قبل نقاط "قسد" الموجودة على الضفة المقابلة في بلدة ذيبان بريف دير الزور الشرقي الخاضعة لسيطرتها.

عبد القادر الحسان، مزارع يستفيد من إحدى جمعيات السقاية، أوضح أن هذا الواقع يخدم مصالح الطرف المقابل بشكل غير مباشر، مؤكدًا أن مياه السقاية هي شريان الحياة للمحاصيل الصيفية والشتوية، مثل القطن والبندورة والقمح والشعير. وأضاف: "مع عدم قدرتنا على تشغيل محطات الضخ خوفًا من القنص، عطشت مساحات شاسعة".

واعتبر أن هذا إهمال قسري يؤدي إلى تملّح الأراضي البعيدة عن النهر وتدهور خصوبتها، مؤكدًا أنه لا يوجد موسم هذا العام بالنسبة للكثيرين، لأن التكلفة أصبحت مضاعفة، حيث تضاف تكلفة المخاطرة بالحياة إلى تكلفة البذور والأسمدة المرتفعة.

خسائر فادحة في الأراضي الزراعية

لا يمكن تقدير الأرقام الدقيقة لحجم الخسارة الزراعية بسبب تداخل العوامل، بما في ذلك الجفاف وضعف الدعم الحكومي والصراع العسكري. ومع ذلك، تشير التقديرات الميدانية الأولية إلى أن المساحة المتضررة قد تتجاوز ألف دونم في مناطق التماس الرئيسية مثل الطريفة ومحكان، حيث توقفت الزراعة تمامًا أو تضررت بشكل كبير نتيجة للتهديدات.

يعيش القطاع الزراعي في محافظة دير الزور واقعًا صعبًا، فبعد أن كانت سهولها الخصبة سلة غذاء سوريا، تحولت مساحات شاسعة منها إلى أراضٍ قاحلة وشبه صحراوية.

التصحر يهدد العالم

اعتبرت الأمم المتحدة التصحر أزمة صامتة تعمل على زعزعة استقرار المجتمعات على نطاق عالمي، وهي ظاهرة تصنف بين أكبر التحديات البيئية في العصر الحالي. التصحر قضية عالمية لها آثار خطيرة على التنوع البيولوجي والسلامة البيئية، وتؤدي إلى الفقر وتزعزع الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والتنمية المستدامة على الصعيد العالمي.

قدّرت الأمم المتحدة قيمة خسائر الغذاء وخدمات النظم البيئية والدخل بسبب تدهور التربة بنحو 23 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2050. ويتسبب التصحر سنويًا في تدهور نحو 12 مليون هكتار من الأراضي، ويؤثر في 40% من سكان العالم، ويصيب جميع القارات.

مشاركة المقال: