الأربعاء, 8 أكتوبر 2025 03:53 PM

من ألم الضحايا إلى سياسات العدالة: تقرير جديد يسلط الضوء على مسار تحقيق العدالة في سوريا

من ألم الضحايا إلى سياسات العدالة: تقرير جديد يسلط الضوء على مسار تحقيق العدالة في سوريا

أُقيمت في دمشق فعالية لإطلاق تقرير بحثي تحت عنوان "ألمنا يصير سياسة"، من إعداد مجموعة تحالف "جسور الحقيقة".

سناك سوري _ هبة الكل

أثار عنوان التقرير تحفظ بعض الحضور، الذين رأوا فيه تحولاً لآلام ذوي الضحايا والمعتقلين والمغيبين قسرياً إلى قضية سياسية، بدلاً من أن يكون مساراً نحو العدالة الانتقالية وتحقيق الأمان والاستقرار.

أكد القائمون على الفعالية أن الهدف من إطلاق التقرير هو مشاركة المدعوين من نشطاء ومدنيين وحكوميين، باعتبارهم شركاء في مسار العدالة الانتقالية، واستطلاع رؤاهم وآرائهم وعرض المنهجية المعتمدة في البحث.

ناقش المتحدثون ملف العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا، مع تسليط الضوء على أبرز مخرجات الجلسات الحوارية المكثفة التي نظمها المشروع بين 14 و30 نيسان الجاري، بمشاركة 133 رجلاً وامرأة، بمن فيهم شباب، بهدف تحويل مسار العدالة الانتقالية من الانعزال إلى الوصول والشرعية، والاستفادة من الحلول التي يقدمها المشاركون لتطبيق العدالة المطلوبة.

العدالة لا تصنع في المكاتب وإنما تبنى مع كل أم ومنظمة عبد الباسط عبد اللطيف – رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية

كشفت الجلسات عن حاجة السوريين إلى من يسمع أصواتهم، وعن وجود فجوة عميقة في إدراك المجتمع المحلي للمعاناة التي تكبدها خلال سنوات الحرب، إضافة إلى تحديات الاستياء السياسي والطائفي والعرقي والانقسام بين مناطق النظام والمعارضة وبين مؤيدي النظام والمعارضة.

تخلل الفعالية عرض الفيلم القصير "بكرا منكفي"، الذي أنتجه مشروع "جسور الحقيقة"، والحائز على 13 جائزة، والذي يقدم رسالة تترجم صوت الضحايا، وقد تم إنتاجه قبل سقوط النظام، وعرض مرة واحدة في سوريا بمنطقة داريا بريف دمشق.

أوصى التقرير بسن قانون شامل للعدالة الانتقالية وتطبيقه، مع إصلاح المؤسسات القضائية والأمنية وتعديل القوانين بما يتماشى والمعايير الدولية، بالإضافة إلى وجود آليات لتقصي الحقيقة وحفظ الذاكرة وجبر الضرر.

وثيقة أخلاقية

تحدث رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، عبد الباسط عبد اللطيف، عن إيمان الهيئة بأن الألم يمكن أن يتحول إلى مسار إصلاح وطني بناء، وأنها ليست مجرد مؤسسة، وإنما وعد وطن لضحاياه، مؤكداً التزام الهيئة بأن تكون عملية تطبيق العدالة الانتقالية شاملة وشفافة وغير انتقامية وفقاً للإعلان الدستوري والمرسوم التشريعي رقم 20.

ورداً على استفسار حول تأخر أعمال الهيئة، أجاب عبد اللطيف بأنهم مستمرون، وأن العدالة "لا تصنع في المكاتب وإنما تبنى مع كل أم ومنظمة".

دعا المشاركون إلى منح العدالة فرصة من الوقت كي تأخذ مجراها وتحقق أهدافها، مع التأكيد على أن باب الحوار سيبقى مفتوحاً كي لا يعاد إنتاج الظلم مجدداً. وأشاد بالتقرير، معتبراً أنه وثيقة أخلاقية وإنسانية وسياسية تحمل صوت الضحايا وتطلعات شعب يسعى نحو العدالة والاستقرار.

أكد التقرير على اهمية دور المرأة في العدالة الانتقالية لناحية توثيق العدالة وضحاياها الذي يختلف باختلاف النوع الاجتماعي، كالعنف الجنسي والعنف القائم على الجندر

لمحة عن التقرير

يأتي إصدار التقرير بالتزامن مع الاجتماعات المزمع عقدها حول العدالة الانتقالية، حيث نظم مشروع جسور حقيقة 7 جلسات حوارية مجتمعية في دمشق، درعا، النبك، حمص، السلمية، عفرين والأتارب، بالتعاون مع المركز الدولي للعدالة الانتقالية ومنظمات المجتمع المدني السوري والتي شملت: بدائل، مركز المجتمع المدني والديمقراطية، دولتي، محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، منظمة اليوم التالي والمعهد السوري للعدالة، بالإضافة إلى الدعم التقني الذي قدمه مركز ضحايا التعذيب.

ضمت كل جلسة حوارية نحو 20 مشاركاً من خلفيات متنوعة، بمن فيهم معتقلون، عائلات مفقودين، نازحون، قادة مجتمع مدني، وأطباء وشباب وأفراد من الأقليات الدينية. اعتمد الاختيار على معايير أربعة، استندت إلى الوصول لمناطق مهمشة، التنوع الديموغرافي والتجربي، سهولة الوصول والأمان النسبي.

يبين التقرير جملة من الأمور الواجب الإسراع في التدخل بها، كالعمل الفوري على معالجة انعدام المحاسبة وتذليل التحديات الأمنية، ومعالجة انعدام الثقة والتشرذم داخل الجماعات السورية وبين المواطنين والدولة من جهة والجهات الفاعلة الدولية من جهة أخرى، وأن تكون آليات العدالة الانتقالية محايدة شاملة تشاركية غير تمييزية ومستقلة غير تابعة للحكومة.

كما يظهر أهمية دور المرأة في العدالة الانتقالية لناحية توثيق العدالة وضحاياها الذي يختلف باختلاف النوع الاجتماعي، كالعنف الجنسي والعنف القائم على الجندر.

التوصيات

يخلص التقرير البحثي إلى جملة من التوصيات على ثلاثة مستويات، لعل أبرزها: على المستوى المحلي، دعم تشكيل لجان عدالة بقيادة الجماعات المحلية وتعزيز إقامة منتديات حوارية منظمة وبرامج تثقيف مدني، وتحسين التشافي المجتمعي. وعلى الصعيد الوطني فقد أوصى التقرير بسن قانون شامل للعدالة الانتقالية وتطبيقه، مع إصلاح المؤسسات القضائية والأمنية وتعديل القوانين بما يتماشى والمعايير الدولية، بالإضافة إلى وجود آليات لتقصي الحقيقة وحفظ الذاكرة وجبر الضرر، مع حماية المجتمع المدني وتفعيل حيزه دون أي تدخل في شؤونه. وأخيراً على الصعيد الدولي، دعا التقرير إلى تقديم المساعدة الأخلاقية وإعادة الإعمار بشكل منصف وتعزيز المحاسبة غير الانتقائية التي تنظر في الانتهاكات كلها بما فيها الدولة والمعارضة والجهات الدولية، عبر آليات كالولاية القضائية العالمية والملاحقات القضائية الدولة حال انتفاء الخيارات الوطنية.

يذكر أن مشروع "جسور الحقيقة" هو تحالف من منظمات مجتمع مدني، ينادي بالعدالة الشاملة لضحايا النزاع والقمع في سوريا، يهدف إلى تقديم الدعم للضحايا وإلقاء الضوء على قصصهم غير المروية، انطلاقاً من قاعدة لا سلام حقيقي في سوريا دون الاستعادة الكاملة لحقوق المعتقلين والمغيبين وعائلاتهم.

مشاركة المقال: