الإثنين, 1 ديسمبر 2025 03:33 PM

من الالتفاف التكتيكي إلى التحرير الكامل: تفاصيل معركة حماة الحاسمة وفتح الطريق نحو حمص ودمشق

من الالتفاف التكتيكي إلى التحرير الكامل: تفاصيل معركة حماة الحاسمة وفتح الطريق نحو حمص ودمشق

مع انطلاق عملية "ردع العدوان" في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، وما شهدته قوات النظام البائد من انهيار سريع في حلب وإدلب، وجهت "إدارة العمليات العسكرية" قواتها نحو محافظة حماة في الأول من كانون الأول 2024. كان الهدف هو تعزيز المكاسب وتوسيع السيطرة، وتمكنت قوات ردع العدوان من الوصول إلى مشارف المدينة بعد قصف مكثف استهدف تحصينات النظام في ريف حماة الشمالي، وحققت تقدماً ملحوظاً في عدة قرى ومواقع استراتيجية.

لكن الانسحاب اللاحق لهذه القوات، على الرغم من التقدم الكبير في عدد من القرى والبلدات والمواقع العسكرية الاستراتيجية، بما في ذلك قاعدة اللواء 87، أثار استغراباً. ومع ذلك، سرعان ما اتضح أن هذا التراجع كان جزءاً من إعادة تموضع تكتيكية. ففي مساء الرابع من كانون الأول 2024، أعلنت إدارة العمليات العسكرية بدء دخول مدينة حماة للمرة الأولى في تاريخ الثورة السورية من المحور الشرقي، وهو المحور الذي لم يتوقعه جيش النظام البائد، الذي كان مشغولاً بتحصين جبل زين العابدين وثكنة قمحانة شمالاً.

قبل ذلك بساعات، سيطرت قوات ردع العدوان على 20 قرية وبلدة جديدة في ريف حماة، ومدرسة المجنزرات، أحد أهم مواقع تمركز الفرقة 25 قوات خاصة، بالإضافة إلى رحبة خطاب ومستودعاتها غرب المدينة، فضلاً عن السيطرة على جبل كفراع الاستراتيجي المطل على القسم الشرقي من حماة والمجاور لجبل زين العابدين. هذا الاختراق سمح بالسيطرة على جبرين وحي الصواعق، والاقتراب المباشر من أحياء القصور والفيحاء وغرناطة، ليصبح مركز المدينة على بعد أقل من أربعة كيلومترات.

كان دخول مدينة حماة نقطة تحول مؤثرة بعد تحرير حلب، حيث أعيد رسم خرائط السيطرة في وسط البلاد، وفتح الباب أمام سيناريوهات عسكرية وسياسية جديدة تتجاوز حدود المحافظة، التي كانت تمثل خطاً أحمر في حسابات النظام البائد، ودرعاً حصيناً أمام أي اقتراب من حمص ودمشق.

لماذا كانت حماة عصية؟ بعد خسارة جيش الأسد لمناطقه في حلب وإدلب، أعاد تجميع قواته المتراجعة في حماة. وكان جبل زين العابدين، الذي يضم شبكة أنفاق ومراكز قيادة إيرانية وسورية، يمثل الدرع الحقيقي لقوات النظام البائد. حاولت قوات ردع العدوان قبل انسحابها من بعض المواقع السيطرة عليه عبر استهدافه بمسيرات "شاهين"، لكن تدعيم جيش الأسد والميليشيات الإيرانية لهذا الخط جعل الاقتحام المباشر صعباً لعدة أيام، قبل أن يفاجئهم الثوار بالالتفاف من السعن والسلمية وقطع خطوط الإمداد القادمة من الرقة.

مع دخول قوات ردع العدوان إلى المدينة، انسحب جيش الأسد البائد من مطار حماة العسكري، بينما شوهدت أرتاله تتجه إلى حمص، في مؤشر على بدء انهيار خط الدفاع الأول عن وسط البلاد. وعلى وقع الأهازيج وزغاريد الأمهات المكلومات، نامت حماة ليلتها الأولى حرة بيد الثوار بعدما فكت قيود الاستبداد الذي مورس على أبنائها منذ عهد الأسد الأب، في حين أسقط الأهالي صنم حافظ الأسد في الساحة الرئيسية، في مشهد احتفى به السكان بوصفه لحظة تاريخية تنهي عقوداً من الخوف والهيمنة الأمنية.

ولبث الطمأنينة في نفوس السوريين، أصدرت إدارة العمليات العسكرية رسائل طمأنة علنية، مشابهة لخطابها تجاه الطوائف المسيحية خلال دخول حلب، معتبرة أن سوريا المستقبل لن تكون طائفية، في إشارة لطمأنة جميع المكونات الاجتماعية في حماة وسهل الغاب والساحل السوري.

بتحرير حماة من يد النظام البائد، تمكن الثوار من كسر واحدة من أعقد قلاع التحصين العسكري في سوريا، والعقدة المركزية لقوات الأسد. حماة بعد الرابع من كانون الأول 2024 باتت نقطة ارتكاز في تغير موازين المعركة، إذ تتوسط المدينة خمس محافظات رئيسية، وتقع على أهم محاور الإمداد العسكري في البلاد، ما يجعل السيطرة عليها تحولاً استراتيجياً لا يوازيه سوى تحرير حمص أو دمشق. كان النظام البائد يدرك أن محافظة حماة هي بوابة حمص باتجاه العاصمة ومدن الساحل السوري، إضافة إلى المساحة الجغرافية الكبيرة والممتدة التي تربط البادية بجبال الساحل.

تحرير حماة يحمل رمزية كبيرة، فهي المدينة الوحيدة على مستوى سوريا التي أخرجت مليونية شعبية ضد النظام البائد الذي ارتكب أبشع المجازر بحق أهلها خلال أحداث 1982، حيث قام نظام الأسد بتدمير المدينة على رؤوس ساكنيها وقتله أكثر من 40 ألف مدني وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

محمد رعد

مشاركة المقال: