الإثنين, 23 يونيو 2025 10:49 PM

من حي القيمرية إلى مشفى الموت: قصة المهندس وسام الزيبق ومعاناته في سجون النظام

من حي القيمرية إلى مشفى الموت: قصة المهندس وسام الزيبق ومعاناته في سجون النظام

في حي "القيمرية" العريق بدمشق، وُلد المهندس "وسام الزيبق" وترعرع في كنف والدته وشقيقته الطبيبة بعد رحيل والده، محاطًا بالأحلام والطموحات. لكن حياته انقلبت رأسًا على عقب في عام 2012، عندما قرر الانضمام إلى صفوف فيلق الرحمن التابع للجيش الحر، إيمانًا منه بعدالة الثورة ومطالب الشعب.

لم تطل فترة الحرية، إذ اغتيل خاله اللواء كمال أبو الخير، أحد أبطال حرب تشرين التحريرية، برصاصة في الرأس في مدينة حمص، وسط تعتيم إعلامي. كان خاله السند القوي له، لتبدأ مرحلة قاسية تركت آثارًا عميقة في ذاكرته.

في الثالث من نوفمبر عام 2013، داهمت دورية من الحرس الجمهوري منزل "الزيبق" بعد كسر الباب، واقتادته معصوب العينين ومكبّل اليدين إلى فرع الميسات للأمن السياسي. هناك، بدأت رحلة تعذيب ممنهج وانتهاكات إنسانية. يروي "الزيبق" لـ"زمان الوصل" أن العميد رياض حسن، رئيس الفرع، كان من أشد الشخصيات عدوانية، إلى جانب الرائد علي صالح، والرائد وسام العلي (المسؤول عن التحقيق)، والعقيد فائق (المشرف على التعذيب)، بالإضافة إلى المساعدين الأول أنيس وعبده ونصر أسبر المعروف بـ"أبو إبرة"، والمساعد الأول خالد العنتبلي الذي كان يكتب تقارير الاعتقال.

يضيف "الزيبق" أن جلادي النظام اقتادوه إلى زنزانة انفرادية في الطابق الثالث تحت الأرض، حيث لا يعرف الليل من النهار إلا من خلال وجبة الإفطار وأصوات التعذيب وجلسات التحقيق. من بين أساليب التعذيب التي تعرض لها "الشبح بالخيط والإبرة": حيث كان المساعد نصر أسبر يخيط كفَّي "وسام" من الظهر إلى البطن بالإبرة والخيط، ثم يُعلَّق من قدميه، فيسيل الدم وتُسلخ الكفوف، قبل أن تُقطع بمقص حادّ. كما تعرض لـ"بساط الريح" (الصدمات الكهربائية)، والتعليق والدوران، والدولاب، والنوم على الجثث قبل نقلها إلى "برادات مشفى الموت 601".

جرى التحقيق مع المهندس "وسام الزيبق" على يد الرائدين وسام علي (من الطائفة العلوية) وطارق (من منطقة التل)، وسط الشتائم والإهانات. بعد خمس سنوات تقريبًا، دخل في غيبوبة من شدة الأهوال في ذلك الفرع الذي كان رئيسه قد جعله فرعاً مختلفاً ومتميزاً عن غيره وكأنه سلطة بذاتها. فلم يكن من المسموح الدخول اليه الا بإذن خطي او حتى الاقتراب منه وحتى مشفى أمية كان لا يسمح بالدخول لها إلا بعد الموافقة الامنية من الفرع السيء الصيت إذ يكاد هذا الفرع يقترب في أهواله وصنوف الإجرام فيه من سجن صيدنايا المعروف.

يقول "الزيبق": "تم نقلي إلى مشفى 601، مشفى الموت، وكان هناك بناء خاص بالمعتقلين وجرحاهم ومن أشرف على الموت منهم كذلك كان للمشفى معتقلين خاصين به، وهذا البناء كان هو الأبعد عن الباب الرئيسي للمشفى بعيداً قليلاً عن مبنى العيادات وغيره من المباني". في هذا المشفى، شهد "الزيبق" عمليات تعذيب وحشية وقتل وتصفية للعديد من الثوار، حيث تحول المشفى إلى فرع مخابراتي ومركز لتجهيز جثث آلاف المعتقلين قبل نقلها إلى المحارق. وأصبح المشفى، الذي أطلق عليه اسم "يوسف العظمة"، مركزًا للتعذيب والقتل.

كشف المصدر أن هذا المشفى شهد تصفية 6 آلاف شخص خلال سنتين، أغلبهم معتقلون جرى تعذيبهم وتصفيتهم في المشفى ذاته. ووصف الناجي من الموت المشفى بأنه كان "خط إنتاج للموت" تحت إشراف العميد الطبيب غسان حداد، وضابط الأمن العميد طه الأسعد، وضابط الإدارة العقيد شادي زودة، والدكتور رامي سلوم، والدكتور ناصر بركات، والدكتور رامي محسن.

كانت الشاحنات تدخل فارغة من الباب الرئيسي وتغادر محملة بالجثث من باب كبار الشخصيات (باب مطل على طريق قصر الشعب)، ثم تتجه إلى مشفى "حرستا" حيث توجد محارق تحيل الجثث إلى رماد. كان "تحميل" الجثث يتم بحضور ضابط الإدارة ملوك، الذي يملك سجل أسماء من تمت تصفيتهم ويطابقها مع الأرقام المدونة على الجثث. ترقيم الضحايا منع أي فرصة لـ"التلاعب" وتدوين اسم شخص حي على جثة رجل تم قتله.

من أشكال التعذيب حقن المعتقلين، وخاصة الجرحى من الجيش الحر، بعقاقير طبية قاتلة أو عقاقير الهلوسة. وروى "الزيبق" أنه حقن بتلك المستحضرات القاتلة ولكنه تمكن من الصمود حتى يوم التبادل والإفراج عنه عام 2019. خرج "وسام الزيبق" محطم الجسد، لكن بروح قوية، ويأمل بعد سقوط النظام أن يعيش حياته الطبيعية حاملاً جراحه وآماله.

فارس الرفاعي - زمان الوصل

مشاركة المقال: