السبت, 11 أكتوبر 2025 07:19 AM

من سجون الاحتلال إلى الوجدان السوري: قصة عبد الرحمن دالاتي وتجدد التضامن مع فلسطين

من سجون الاحتلال إلى الوجدان السوري: قصة عبد الرحمن دالاتي وتجدد التضامن مع فلسطين

لم يكن خبر الإفراج عن الناشط السوري عبد الرحمن الدالاتي من معتقلات الاحتلال الإسرائيلي مجرد خبر عابر، بل كان محطة إنسانية وسياسية بارزة أعادت إلى الأذهان عمق التضامن السوري مع فلسطين، وثبات الموقف الشعبي السوري تجاه الاحتلال على مر العقود.

فالدالاتي، الذي اعتقل الأربعاء الماضي أثناء مشاركته في أسطول الحرية لكسر الحصار على قطاع غزة، لم يكن يسعى إلى تحقيق مجد شخصي، بل كان يبحث عن معنى إنساني للحرية يتقاسمه الجميع. وعلى متن السفينة التركية "الضمير"، رفع الدالاتي يده عالياً قبل أن تعطل البحرية الإسرائيلية الكاميرات، وفي آخر رسالة صوتية له قبل الاعتقال قال: "سنرفع أيدينا التي جاءت لإطعام إخواننا في الهواء، وسيرى العالم كل شيء حتى يطفئ الاحتلال الكاميرات".

هذه الكلمات، التي انتشرت على نطاق واسع بعد انقطاع الاتصال، لخصت جوهر التضامن السوري، وهو تضامن يتجاوز البيانات الرسمية ليجسده الفعل والموقف. ورحلة الدالاتي من ميناء إزمير إلى المياه الفلسطينية هي امتداد لتاريخ طويل من المشاركة السورية في معركة الوعي ضد الاحتلال الإسرائيلي. فمنذ شهداء عام 1948 الذين دافعوا عن فلسطين، مروراً بمئات النشطاء السوريين الذين وهبوا جهودهم لنصرة الشعب الفلسطيني في وجه كل عدوان إسرائيلي، كان السوريون يعتبرون فلسطين جزءاً من هويتهم وليس مجرد جزء من حدودهم.

وخلال العدوان الإسرائيلي على سفن أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن قطاع غزة، عادت قصة عبد الرحمن دالاتي لتذكر بأن السوريين، رغم معاناتهم من ويلات الحرب، ما زالوا يعتبرون فلسطين قضية مركزية في وعيهم ووجدانهم. ومشاهد التضامن الشعبي في المدن السورية، من الوقفات الطلابية إلى المبادرات الإغاثية، تؤكد أن ما يجمع دمشق والقدس وغزة ليس مجرد شعار سياسي، بل هو وجع واحد ومصير مشترك.

والجدير بالذكر أن تجربة دالاتي لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقتها أسماء سورية أخرى تركت بصماتها في مسيرة النضال الفلسطيني، من حناجر وطنية غنت للمقاومة، إلى أقلام وأصوات نقلت وجدان الأمة في المحافل الدولية، وصولاً إلى مئات المتطوعين السوريين الذين شاركوا في حملات الإغاثة والدعم خلال الحروب الإسرائيلية المتكررة على الضفة الغربية وقطاع غزة. هؤلاء جميعاً، ومعهم دالاتي اليوم، يشكلون جسراً إنسانياً بين من يرفض الحصار في غزة ومن يعانون من آثاره في سوريا.

إن إفراج الاحتلال الإسرائيلي عن عبد الرحمن دالاتي بعد اعتقاله في المياه الدولية ليس مجرد انتصار لإنسان مسالم أراد كسر الحصار بالطعام والدواء، بل هو أيضاً انتصار رمزي للإرادة السورية الحرة التي لم تنكسر رغم كل الظروف. وفي الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال ممارسة القمع والقرصنة، يثبت السوريون مرة أخرى أنهم جزء أصيل من الجبهة الأخلاقية العالمية المناهضة للاحتلال، وأن الضمير الذي حملته سفينة "الضمير" هو نفسه ضمير سوريا الحي.

مشاركة المقال: