يبدو أن الحسابات السياسية الداخلية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هي المحرك الأساسي للتصعيدات الأخيرة في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان، مما يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة وتقويض الخطة الأميركية للسلام.
يتضح ذلك من تصريحات نتنياهو في الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية قبل اغتيال القيادي في "حزب الله"، هيثم الطبطبائي، في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث أكد أن إسرائيل تعمل دون الحاجة إلى موافقة أي طرف، في إشارة إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وقد جاء رد الفعل الأميركي على الغارة متوافقاً مع الرواية الإسرائيلية.
يتزامن هذا التصعيد مع صدور تحقيق الجيش الإسرائيلي في الإخفاقات التي أدت إلى هجوم "حماس" على غلاف غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وإقالة رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، لعدد من كبار الضباط بتهمة التقصير. وتخلق نتائج التحقيق العسكري بيئة مناسبة للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية لتحديد المسؤولية السياسية عن الإخفاق، وهو ما يرفضه نتنياهو بحجة استمرار الحرب.
يهدف نتنياهو من خلال هذه التحركات إلى دفع تهمة فقدان القرار المستقل عن نفسه، وتحويل إسرائيل إلى الولاية الرقم 51 للولايات المتحدة. ويتجلى ذلك في القصف المتواصل على مناطق متفرقة من غزة، وتزايد اعتداءات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربية، التي أدت إلى تهجير ثلاثة مخيمات. وقد وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ومقرها الولايات المتحدة، ما يجري في الضفة بأنه يرقى إلى جرائم حرب تستوجب محاسبة المسؤولين الإسرائيليين عنها.
اغتيال الطبطبائي رفع التوتر الإقليمي إلى مستوى جديد، وأعلن الجيش الإسرائيلي حالة التأهب على الحدود مع لبنان تحسباً لرد من "حزب الله"، وبدأ مناورات في الجليل الشرقي.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل دخل نتنياهو الأسبوع الماضي إلى المناطق السورية التي احتلتها إسرائيل خارج المنطقة العازلة بعد سقوط نظام بشار الأسد، واعتبرت هذه الخطوة استفزازاً للرد على زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، لواشنطن ولقائه ترامب. كما أن زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى واشنطن، أعطت دفعة للعلاقات الأميركية-السعودية، مما أشعر نتنياهو بالتهميش.
في ظل هذه التطورات، كتبت افتتاحية صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن إسرائيل تعمل على التحضير لحرب متجددة في لبنان وغزة لعرقلة خطة ترامب المكونة من 20 نقطة، والتي لا تحظى بالتطبيق الأميركي الكافي، مما يسمح لإسرائيل بخلق واقع يعيق تقدمها.
يبدو أن نتنياهو على وشك تجاوز الهامش الأميركي المتاح والعودة إلى الحرب الشاملة.