الثلاثاء, 12 أغسطس 2025 03:26 PM

نزوح طويل الأمد: مهجّرو ريف تل تمر يواجهون منازل مدمرة ومستقبلًا مجهولًا

نزوح طويل الأمد: مهجّرو ريف تل تمر يواجهون منازل مدمرة ومستقبلًا مجهولًا

سامر ياسين – تل تمر

في غرفة صغيرة متداعية بقرية تل نصري في ريف تل تمر، تقيم فاطمة الأحمد وأبناؤها بعد أن دُمر منزلهم بالكامل نتيجة قصف القوات التركية والفصائل الموالية لها في أواخر عام 2019. منذ ست سنوات، أُجبرت "الأحمد" على مغادرة قريتها أم الكيف شمالي تل تمر بريف الحسكة الشمالي، بسبب القصف، لتتحول مع عائلتها إلى نازحين يعيشون في ظروف معيشية قاسية، دون دعم أو دخل أو أمل في عودة قريبة.

ست سنوات من النزوح المستمر

تعيش فاطمة الأحمد وعشرات العائلات الأخرى في ريف تل تمر تحت وطأة النزوح القسري منذ أواخر عام 2019، عندما تصاعدت الهجمات التركية والفصائل الموالية لها على مناطق واسعة من ريفي تل تمر وزركان (أبو راسين) شمال الحسكة، وذلك بعد سيطرتها على منطقة سري كانيه/ رأس العين شمال شرقي سوريا. وتوضح "الأحمد"، التي تقيم اليوم في غرفة صغيرة مع عائلتها، لنورث برس، أنها لم تتمكن حتى الآن من زيارة منزلها بعد تدميره بالكامل، مضيفة بلهجتها المحلية: "الجميع يقول لي عودي إلى قريتك، ولكن كيف أعود؟ بيتي صار ركام، تعب عمر كامل راح بلحظة، خلال ربع ساعة كل شيء صار على الأرض".

تصف منزلها بأنه كان جزءًا من قلبها، وتخفي دموعها بصمت، قائلة: "لم يكن مجرد جدران منزل، بل مثل أحد أولادي". وتضيف: "أبكي على تعب سنين وعائلة كاملة. أنا غير قادرة على بناء منزلي، فالأسعار باهظة جدًا، ولا أستطيع بناء حتى غرفة واحدة. ولو عدت للقرية، سأبني خيمة على الركام".

وكانت قرى أم الكيف، الكنيهر، والقاسمية من بين أبرز المناطق التي تعرضت للقصف، نظرًا لوقوعها على خطوط التماس المباشر بين القوات المهاجمة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). وأدت تلك الهجمات إلى تهجير سكان نحو 40 قرية، لجأ غالبيتهم إلى قرى قريبة تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لاستيعابهم، في ظل دمار شبه كامل للبنى التحتية، وغياب الخدمات الأساسية، وتعطّل أي مساعٍ جادة لإعادة الإعمار أو تأمين عودة آمنة للمدنيين، على الرغم من وجود هدنة غير معلنة واتفاقات غير رسمية لوقف إطلاق النار بين "قسد" من جهة والقوات التركية والفصائل الموالية لها من جهة أخرى.

ويشير سكان تلك القرى إلى أن الغالبية العظمى من قراهم غير صالحة للسكن، نتيجة التدمير الجزئي أو الكلي، بالإضافة إلى غياب الخدمات وارتفاع تكلفة إعادة الإعمار، مما يجعلهم عاجزين عن العودة إلى قراهم الأصلية وبقائهم في قرى أخرى بصفتهم "نازحين".

بيوت مدمرة وظروف معيشية قاسية

يقول نعيم الكنيهر، وهو نازح من قرية الكنيهر شمالي تل تمر، ويقيم هو الآخر في قرية تل نصري منذ أكثر من خمس سنوات بعد أن دُمر منزله بالكامل: "لو عدت لن أجد من بيتي سوى الركام، لا أبواب ولا نوافذ ولا عفش حتى، حتى بلاط المنزل ذهب دون عودة".

ويضيف: "إذا عدت، سأفرش خيمة على ركام بيتي وأجلس فيها، وسأبدأ بترميم وبناء منزلي أول بأول كل فترة، لكن هذا الشيء صعب جدًا دون وجود دعم لنا". ويشير "الكنيهر" إلى أنه بنى منزله بيديه بعد سنوات من العمل كعامل وفلاح، ويضيف بلهجته العامية: "كنت أشتغل بالأرض ليل ونهار لحتى عمرت بيتي، بس طلعنا من بيوتنا قسراً لأننا ما فينا نعيش تحت رحمة الاحتلال".

فيما تقول غالية الحسينو، وهي نازحة من أم الكيف، لنورث برس، إنها تعيش حاليًا في غرفة كانت تُستخدم سابقًا كمربى للأبقار في قرية تل نصري. وتضيف: "كنا نعيش حياة جيدة قبل الحرب، نملك أرضًا نزرعها ونعيش منها، لكن القصف دمّر كل شيء وبتنا نعيش حياة لا تطاق".

وتتذكر "الحسينو" لحظة مغادرتهم للقرية قائلة: "كنا بالقرية عندما سمعنا أن القصف سيبدأ بعد قليل، وهربنا إلى تل تمر، وبعد دقائق بدأ القصف وتدّمر المنزل بالأكمل". وتقول بحزن: "أصعب شعور أن ترى منزلك مدّمر أمام عينك وأنت عاجز أن تفعل أدنى شيء لتعيده أو تراه كما كان سابقًا". ورغم رغبتها في العودة، إلا أنها تقول إن زوجها يرفض الأمر في ظل غياب اتفاق حقيقي بين الأطراف المتصارعة، مشيرة إلى أنه إذا لم يتم إعلان هدنة حقيقية وتحسن الوضع الأمني هناك "فلن نعود إلى ذلك الخوف مجدداً، ولكننا حتماً سنعود حتى لو سكننا في خيمة على أرضنا فنحن عائدون".

وتعيش مئات العائلات من هذه القرى في مناطق مجاورة أو قرى مضيفة، أغلبها غير مؤهلة لاستقبال هذا العدد الكبير، وسط غياب أي دعم حقيقي من المنظمات أو الجهات الرسمية منذ أكثر من 6 سنوات. ورغم مرور أكثر من ست سنوات على التهجير، لم يتمكن أغلب سكان تلك القرى حتى من زيارة منازلهم المدمرة، ويقول نازحون إن حلم العودة إلى قراهم يبتعد أكثر مع كل عام يمر ولا تبدو ممكنة في ظل تدهور الأوضاع الأمنية، وارتفاع تكلفة إعادة الإعمار، إلى جانب غياب أي برامج دعم من الجهات المعنية أو المنظمات الدولية.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: