الثلاثاء, 2 سبتمبر 2025 10:21 PM

واشنطن تضغط لاتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا: ما هي فرص النجاح في ظل العقبات والتصعيدات؟

واشنطن تضغط لاتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا: ما هي فرص النجاح في ظل العقبات والتصعيدات؟

تكشف مصادر مطلعة عن ضغوط أمريكية مكثفة تمارسها إدارة الرئيس دونالد ترامب على كل من إسرائيل وسوريا، بهدف التوصل إلى اتفاق أمني خلال الشهر المقبل. وقد أشار موقع "إيبوك" نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين إلى أن هذه الخطوة تأتي قبل انعقاد الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الجاري.

تسعى الإدارة الأميركية لتحقيق اختراق سياسي في ملف الشرق الأوسط، مدفوعة برغبة ترامب في تحقيق "إنجازات سياسية" قبل الاستحقاقات الأممية المقبلة. وستبذل واشنطن جهودًا مكثفة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين حتى منتصف سبتمبر، رغم الصعوبات التي تعترض هذا المسار.

العقبات المطروحة

تؤكد المصادر أن إسرائيل غير مستعدة للانسحاب من قمة جبل الشيخ أو التراجع عن المنطقة العازلة التي وسعتها بعد سقوط نظام الأسد السابق. ويتضمن المقترح الأميركي اتفاقًا أمنيًا يؤدي إلى نزع السلاح في جنوب سوريا، ويمنع تركيا من إقامة قواعد عسكرية هناك، بالإضافة إلى فتح ممر إنساني من إسرائيل إلى الدروز في السويداء، وهو ما يخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية.

في المقابل، يصر الرئيس السوري أحمد الشرع على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي السورية التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد السابق، والعودة إلى "اتفاقية فصل القوات" لعام 1974.

تصعيد وتجاوز للأهداف المعلنة

يقدم الكاتب والمحلل السياسي حسن النيفي قراءة معمقة للأحداث، مشيرًا إلى أن إسرائيل كثفت اعتداءاتها على سوريا منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الماضي، وضاعفت استهدافها للمواقع العسكرية تحت شعار "تحطيم ما تبقى من البنية العسكرية السابقة".

ويرى النيفي أن التصعيد الإسرائيلي تجاوز الأهداف المعلنة، وتحول من استهداف المواقع العسكرية إلى التوغل في العمق السوري. ويضيف أن إسرائيل لم تكتفِ بالقصف، بل "تموضعت فعليًا في مواقع كثيرة، أهمها جبل الشيخ وبعض قرى القنيطرة"، وهو ما يكشف عن نيتها في فرض واقع أمني جديد يتجاوز اتفاقية 1974.

ويعتبر النيفي أن إسرائيل تحاول استغلال مرحلة التحول في الدولة السورية وسقوط النظام وحالة الضعف العسكري والتفكك في بنية الدولة، مشيرًا إلى أن أحداث السويداء الدرزية استُخدمت كورقة لتحقيق مكاسب. ويرى أن الحكومة السورية، التي ليس أمامها سوى التفاوض، تريد التوصل إلى تفاهمات أمنية مع إسرائيل لتحييد سوريا عن العدوان الإسرائيلي، ويمكن أن تستعين بالموقف العربي أو بالعلاقات الجديدة مع الولايات المتحدة.

هل الاتفاق الأمني قريب؟

يرى النيفي أن التوصل إلى اتفاق أمني قريبًا يتوقف على قدرة سوريا على الصمود في المفاوضات وعدم تقديم تنازلات كما يريد الجانب الإسرائيلي. ويضيف أن إسرائيل ترفع من طلباتها، إذ تريد منطقة الجنوب بكاملها منزوعة السلاح، وتريد ممرًا دائمًا بين السويداء وإسرائيل، وهذا يعني وضع اليد على المنطقة.

ويشير إلى أن المعطيات تشير إلى أن الجميع يريد اتفاقًا أمنيًا، لكن الوصول إلى اتفاق كامل يعتمد على تخلي إسرائيل عن مطالبها غير المعقولة، خاصة الانسحاب من كل الأراضي التي دخلت إليها بعد الثامن من ديسمبر، والعودة إلى حدود اتفاقية 1974. ويرى أن الحكومة السورية يمكن أن تقدم بعض التنازلات، مثل إعادة النظر في الاتفاقية وقضية المنطقة المنزوعة السلاح.

مرحلة تتسم بالغموض

يقدم الباحث والناشط السياسي أحمد زيتون مقاربة مختلفة، تنطلق من البعد التاريخي والاستراتيجي للمشروع الصهيوني، وتربط بين المواقف الأميركية المعلنة والممارسات على الأرض. ويرى زيتون أن سياسات حكومة نتنياهو الراهنة لا تنفصل عن التصورات التاريخية والاستراتيجية للمشروع الصهيوني، موضحًا أن التناقض واضح بين المواقف الأميركية المعلنة بدعم حكومة سورية جديدة ورفع العقوبات وفتح قنوات التواصل، وبين الممارسات الميدانية التي تسير في اتجاه مغاير.

ووفق زيتون، فإن العلاقات السورية – الإسرائيلية تعيش "مرحلة جديدة تتسم بالغموض وعدم وضوح المسارات المستقبلية"، بينما تتركز الأهداف الإسرائيلية المعلنة على "تعزيز المكاسب الأمنية والعسكرية في الجنوب السوري، مستفيدة من حالة الفراغ الأمني منذ 2011 وتفاقمها بعد سقوط الأسد".

ويضيف أن الهدف هو تقوية الموقف الإسرائيلي في أي مفاوضات محتملة، وفرض شروط قد تؤثر على طبيعة أي اتفاق أو تسوية، أو حتى احتمالات التطبيع. ويشير إلى أن الدبلوماسية السورية حققت بعض الاختراقات الإقليمية والدولية، واعتمدت نهجًا هادئًا في التعامل مع ملف الاحتلال، مما عزز موقفها في مطالبة المجتمع الدولي بالعودة إلى اتفاقية 1974.

لكن هذا التقدم ترافق مع تصعيد إسرائيلي تجلى في "عمليات توغل واعتقالات واستهداف مواقع استراتيجية، مثل قصف جبل المانع مؤخرًا"، وهو ما يقرأه كمحاولة لإضعاف الموقف السوري ودفعه إلى مواجهة مباشرة تؤثر على موقعه التفاوضي. ويلفت إلى أن إسرائيل تحاول توظيف التوترات الداخلية في سوريا، خصوصًا في السويداء، كورقة ضغط إضافية، متوقعًا أن يشكل ملف السويداء أحد عناصر أي تسوية أمنية مستقبلية، سواء برعاية أميركية أو بدافع إسرائيلي مباشر.

ويختم زيتون بالقول إن أولوية أي اتفاق أمني بالنسبة لإسرائيل ستكون إعادة بناء الثقة بقدرتها على توفير الأمن الداخلي، وتعزيز قناعة المجتمع الإسرائيلي بأن الدولة قادرة على الاستمرار كوجهة آمنة للاستثمار والهجرة، لا سيما بعد ما أفرزته حرب غزة الأخيرة من مؤشرات على تنامي ظاهرة الهجرة العكسية من داخل الأراضي المحتلة إلى خارجها.

حسابات إقليمية معقدة

تظهر المعطيات أن واشنطن تحاول الدفع باتجاه صياغة تفاهم أمني جديد بين سوريا وإسرائيل، في ظل حسابات إقليمية ودولية معقدة. وبينما تسعى إسرائيل لفرض شروط تضمن لها السيطرة والأمن، تتمسك دمشق بالعودة إلى اتفاقية 1974 كأساس لأي تفاوض. وبين هذه المواقف المتباينة، يبقى نجاح المبادرة الأميركية رهن قدرة الطرفين على تقديم تنازلات متبادلة، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى ما ستفرزه اجتماعات الأمم المتحدة من إشارات حاسمة بشأن هذا المسار.

مشاركة المقال: