سياسة سوريا
جنوب سوريا على صفيح ساخن: صراع النفوذ يتصاعد وتدخلات إسرائيلية تزيد الأزمة تعقيدًا
enabbaladi.net١٣ أيار ٢٠٢٥ في ١٢:٠٠ ص580 مشاهدة
هذا الخبر بعنوان "إسرائيل تصب الزيت على نار الجنوب السوري" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٣ أيار ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم مر أسبوع على اجتياح التوترات مدينتي صحنايا وجرمانا، وإكمال زحفها نحو السويداء، التي لا تزال تقف في قلب مشهد متقلب، حيث تتفاقم التوترات السياسية والأمنية، في بيئة مشحونة بالخوف واللايقين بين الفعاليات المحلية والسلطات التي توصلت إلى اتفاق، تهدده مجموعات عسكرية منفلتة على أسوار السويداء. الانقسام المتزايد بين مشايخ العقل، وتحول الملف الدرزي من شأن محلي إلى ورقة في صراع إقليمي، يضع مستقبل الجنوب السوري أمام مفترق حاسم، ومع هشاشة اتفاق التهدئة وغياب مرجعية موحدة للطائفة، تثار شكوك جدية حول إمكانية الوصول إلى استقرار حقيقي.
وفي خضم هذا التصعيد، فتح تكرار دعوة الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، للحماية الدولية بابًا جديدًا من الجدل، حول حدود الدور الدولي في سوريا، ومآلات المطالب ذات الطابع الطائفي في وقت لم يلقَ طرح الشيخ الهجري إجماعًا في ساحة السويداء، بل كشف عن ملامح انقسام فيها، إذ يرى جزء من فعاليات المحافظة بمطالب الهجري خلاصًا مؤقتًا من تهديدات المجموعات العسكرية المحيطة بالمحافظة، ويراه آخرون تهديدًا للسيادة الوطنية وتماسك النسيج السوري.
بموازاة ذلك، دخلت إسرائيل على الخط عبر تصريحات مباشرة تتحدث عن “حماية الدروز”، ما ينذر بتدويل الصراع، ويفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة، خاصة مع حساسية موقع السويداء الجغرافي، والتداخل المعقد بين مصالح دولية وإقليمية على الأرض السورية.
سياسيًا، لا تقتصر تداعيات الأزمة على الطائفة الدرزية وحدها، بل تمتد إلى شكل العلاقة بين السلطة والمجتمع المحلي، وبين المكونات السورية المختلفة، إذ يعيد المشهد طرح أسئلة قديمة حول مركزية الدولة، واللامركزية، وحدود السلطة السورية، في الجنوب السوري، كما تثير هذه التطورات مخاوف حقيقية من تصدع الهوية الوطنية الجامعة، في حال استمرت الأطراف المختلفة في استثمار الأزمة ضمن حسابات خارجية.
في هذا الملف، تناقش عنب بلدي خلفيات الأزمة القائمة جنوبي سوريا، وتستعرض التحولات وردود الفعل المحلية والإقليمية، بناء على آراء خبراء وباحثين متخصصين.
اشتعلت شرارة أحداث الجنوب السوري في مدينتي صحنايا وجرمانا بريف دمشق، وهما منطقتان تقطنهما أغلبية درزية، عندما شنت الحكومة حملة أمنية ضد مجموعات عسكرية وصفتها بـ”الخارجة عن القانون”، وانتهت سريعًا بفرض الدولة الوليدة سيطرتها على المنطقة، موسعة حملتها الأمنية باتجاه السويداء.
في السويداء بدا المشهد مختلفًا، إذ تتحصن العشرات من الفصائل العسكرية، من خلفية درزية، في المحافظة، التي سبق أن رفضت تسليم سلاحها للحكومة، والاندماج بوزارة الدفاع، رافعة مطالب تتعلق بهوية الدولة، ومصرّة على لامركزيتها.
لم تدخل فصائل موالية للدولة أو قوات حكومية رسمية إلى السويداء، كما فعلت في جرمانا وصحنايا، خصوصًا مع تحصن فصائل المحافظة في الريف الشرقي للسويداء، لكنها قبلت اتفاقًا مع الحكومة أعلن عنه لاحقًا حمل خمسة بنود هي:
قبل أيام من الإعلان عن الاتفاق، خرج الشيخ حكمت الهجري ببيان وصف فيه تحركات الحكومة في صحنايا وجرمانا والسويداء بـ”المجازر الداعشية التكفيرية”، معتبرًا أنها تحركات جاءت لفرض القوة والسطوة بشكل غير مبرر، وفق تعبيره.
وطالب الهجري بحماية دولية مجددًا، معتبرًا أن مطلبه هو “حق مشروع لشعب قضت عليه المجازر”.
وسبق البيان الذي أصدره الشيخ الهجري، آخر صدر عن وزارة الخارجية السورية، رفض الدعوات للحماية الدولية، معتبرًا أن هذه المطالب هي محاولة تدويل لملفات يجب أن تحلها مؤسسات الدولة السورية.
وعبّرت وزارة الخارجية عن رفضها لجميع أشكال التدخل الخارجي في شؤون سوريا الداخلية، مشيرة إلى أن الدعوات التي أطلقتها “جماعات خارجة عن القانون”، وشاركت في أعمال العنف على الأراضي السورية، للمطالبة بـ”حماية دولية”، هي دعوات غير شرعية ومرفوضة.
وبعد قبول الهجري بنود الاتفاق، أكدت الصفحة الرسمية للرئاسة الروحية للطائفة الدرزية على مخرجات الاجتماع الذي عُقد بحضور الهجري، وشيخي العقل للطائفة، يوسف جربوع، وحمود الحناوي، والأمير حسن الأطرش، والأمير يحيى عامر، وممثلين عن الفصائل العسكرية، وآخرين من وجهاء المحافظة.
لم يغيّر الهجري لهجته تجاه دمشق، لكن أحدث ثلاثة بيانات صادرة عنه لم تتضمن مطالب بحماية دولية، على خلاف ما جاء في البيانات السابقة، كما نادى أحدثها بوحدة الحال مع عشائر البدو الذين يقطنون ريف السويداء، وصولًا إلى درعا.
على خلاف الموقف الحاد الذي اتخذه الهجري من دمشق، سارع شيخا العقل، يوسف جربوع وحمود الحناوي، إلى دمشق مع بداية أحداث صحنايا وجرمانا، ولعبا إلى جانب قائد قوات “شيخ الكرامة” الشيخ ليث البلعوس، دورًا بالتهدئة، والوصول إلى اتفاق، بوساطة وتفاهم مع قيادة منطقة داريا بريف دمشق (المجاورة لصحنايا).
معلومات عديدة انتشرت في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي عن أن خلافًا نشب بين الشيخ البلعوس والشيخ الهجري غداة الاتفاق، دفعت فصائل عسكرية تعتبر الهجري مرجعًا لها، لحصار مقار تتبع لقوات “شيخ الكرامة” التي يقودها البلعوس، لكن أي طرف منهما لم يؤكد هذه المعلومات.
ولم يجب الشيخ البلعوس على استفسارات عنب بلدي، حول تأكيد أو نفي هذه المعلومات.
من جانبه، رفض الشيخ حمود الحناوي، وهو أحد شيوخ عقل الطائفة الدرزية، أي تدخل خارجي في الشؤون السورية، مؤكدًا أن الدروز جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري، ولم يكونوا يومًا أداة في يد أي جهة خارجية.
وأضاف خلال حديثه بلقاء تلفزيوني مع قناة “الإخبارية السورية” الرسمية، أن “الانتماء للوطن شرف وكرامة لا يمكن المساومة عليه”، داعيًا إلى تعزيز الوحدة بين جميع أبناء سوريا، بغض النظر عن الانتماءات الطائفية أو العرقية.
وأعرب عن قلقه من الأحداث التي شهدتها سوريا مؤخرًا، خاصة في الساحل السوري، معتبرًا أنها تسيء إلى الجميع وتؤثر سلبًا على الثقة بين السوريين.
وأبدى الشيخ الحناوي دعمه لأي اتفاق يسهم في توحيد الصف السوري.
من جانبه، عبر الشيخ يوسف جربوع، شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا، عن مواقف واضحة تجاه الأحداث الجارية في محافظة السويداء، منها أهمية الوحدة الوطنية، ورفض التدخلات الخارجية، وتفعيل دور المؤسسات الرسمية في المحافظة.
وأعرب عن رفضه للتدخلات الإسرائيلية في الشأن السوري، معتبرًا أن إسرائيل تستغل الدروز لتحقيق مكاسب سياسية، وأنها تحاول استخدام الطائفة ورقة ضغط لتحقيق أهدافها في سوريا.
التطورات المتسارعة على المستويين الأمني والسياسي، التي شهدتها السويداء، ولا تزال تتواتر فيها، جاءت وسط محاولات حثيثة لاحتواء التوتر وفتح قنوات للتواصل مع مؤسسات الدولة، في وقت لا يزال فيه أبناء المحافظة منفتحين على مؤسسات الدولة الناشئة، منذ 8 من كانون الأول 2024، عندما أُعلن عن سقوط النظام السوري، إذ لا تزال فعاليات المحافظة تسعى للتعاون مع الحكومة السورية في عدة مجالات، وفقًا لما قاله الباحث السياسي جمال الشوفي، الذي ينحدر من السويداء ويقيم فيها.
وأوضح الشوفي، خلال حديثه لعنب بلدي، أن هناك تفاهمات جرت بين فصائل محلية ووزارتي الداخلية والدفاع، تناولت إعادة ضبط الأمن من خلال ثلاث نقاط رئيسة: الشرطة، والضابطة العدلية، والأمن العام، على أن يكون العناصر من أبناء السويداء، بينما يُسند منصب القيادة لأشخاص من خارج المحافظة، حفاظًا على التوازن الوطني.
ولفت إلى أن الاتفاق تعثر جزئيًا عند تنفيذ النقطة المتعلقة بجهاز الأمن العام، لأسباب تتعلق برفض شعبي واسع لفكرة وجود الجهاز الأمني في السويداء، خشية الملاحقة الأمنية لعدد كبير من المطلوبين المفترضين داخل المحافظة، مشيرًا إلى أن الجانب المتعلق بالشرطة والضابطة العدلية لا يزال قائمًا دون عوائق، ويشترط فقط إخضاع العناصر لكشف أمني مسبق لضمان نزاهتهم.
واعتبر الشوفي أن المطالبات بالحماية الدولية التي أُثيرت في بعض المحافل “لا تمثل الإرادة الحقيقية لأبناء السويداء”، واصفًا إياها بأنها “مطالب مغلوطة، لا تستند إلى تحليل سياسي واقعي، وتعزل السويداء عن محيطها الوطني”، داعيًا إلى دعم الحوار السوري– السوري، من خلال قنوات إعلامية ولقاءات مباشرة تشمل جميع المكونات، مشيرًا إلى أهمية تشجيع أطراف السلطة والمعارضة والمجتمع المدني على المضي نحو تفاهم وطني شامل.
شهد الأسبوع الماضي توترًا بعد انقطاع طريق دمشق- السويداء، ما أدى إلى نقص في المواد التموينية، وصعوبة عودة طلاب المحافظة من الجامعات، كما وقعت اعتداءات متبادلة بين فصائل مسلحة، ما زاد التوتر الطائفي، وسط حملة تحريض إعلامية متنامية من الطرفين.
الشوفي اعتبر، خلال حديثه لعنب بلدي، أن تدخّل “العقلاء” أسهم في عودة الهدوء وتفعيل الاتفاقات المعلنة، التي تقضي بتأمين الطريق الدولي، وحماية المدينة من الفصائل المنفلتة، ووقف العمليات العسكرية على امتداد الساحة السورية، مشيرًا إلى أن هذه البنود، تتطلب فتح مسارات الحوار الوطني، وتفعيل القانون لردع أي تحريض طائفي.
ولفت إلى خطورة اختزال السويداء في كتلة طائفية واحدة، مشيرًا إلى أن التعدد والاختلاف ظاهرة صحية، ولا يجب تصوير أبناء المحافظة كمجموعة متجانسة دينيًا أو سياسيًا.
التصعيد الملحوظ في التوتر، زادت التدخلات الإسرائيلية من حدته مع ارتفاع وتيرتها، إذ نفذت القوات الإسرائيلية سلسلة من الغارات الجوية والاقتحامات البرية، استهدفت مواقع عسكرية سورية، وأسفرت عن سقوط ضحايا من المدنيين، وتهجير مئات السكان، خاصة في مناطق القنيطرة ودرعا، منذ سقوط النظام.
وارتفعت وتيرة الضربات الإسرائيلية في سوريا مع نشوب المواجهات في صحنايا بين الفصائل المحلية والقوات الحكومية، إذ ضربت إسرائيل المنطقة جوًا مستهدفة القوات الحكومية بشكل متكرر، ووسعت ضرباتها لتشمل ريف السويداء.
وبررت إسرائيل هذه العمليات بأنها تهدف إلى منع دخول “قوات معادية” إلى المناطق الدرزية، لكن هذه التبريرات لم تلقَ قبولًا واسعًا، واعتُبرت محاولة لاستغلال الانقسامات الطائفية، وتأجيج الصراعات الداخلية، رافعة من حالة الاحتقان في المنطقة.
وأثارت التحركات الإسرائيلية ردود فعل دولية، إذ أعرب المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، عن قلقه العميق، وندد بالهجمات الإسرائيلية، مطالبًا بوقفها فورًا، ومشددًا على ضرورة احترام القانون الدولي وسيادة سوريا.
في ظل هذه التطورات، حذر زعماء الطائفة الدرزية من استخدام قضيتهم كذريعة لتدخلات خارجية، مؤكدين ضرورة التهدئة وتغليب الحلول الدبلوماسية، منهم الزعيم الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، إلى جانب شيوخ سوريين من الطائفة.
بالتزامن مع بدء مؤتمر “الحوار الوطني” في شباط الماضي، أعرب الشيخ الهجري عن استيائه من التحضيرات، ودعا إلى “التدخل الدولي لضمان أن تسفر العملية عن دولة مدنية، مع فصل للسلطات وسيادة القانون”.
وخلال الاشتباكات في جرمانا وصحنايا والسويداء، طالب الهجري بـ”الحماية الدولية”، معتبرًا أنها “حق مشروع بالنسبة لشعب قضت عليه المجازر”، داعيًا المجتمع الدولي لعدم تجاهل ما يحصل من “أهوال” في سوريا.
واعتبر وفق بيان، في 1 من أيار الحالي، أن ما وصفه بـ”القتل الجماعي”، كما حصل في الساحل السوري، لا يحتاج إلى لجان، بل يحتاج “بشكل فوري” لتدخل قوات دولية “لحفظ السلام”، مشددًا على عدم ثقته بالحكومة السورية، والقوات العسكرية الحكومية.
قوبلت الدعوات المطالبة بالحماية الدولية برفض سوري رسمي، واعتبارها دعوات غير شرعية، ومحاولة واضحة لـ”تدويل” وضع يجب أن “يُعالج بشكل حصري ضمن مؤسسات الدولة السورية”، وأفعال “تمثل تهديدًا مباشرًا لوحدة البلاد، كما تهدد الجهود الوطنية لاستعادة الأمن والاستقرار في جميع أنحاء سوريا”، وفق بيان للخارجية السورية.
وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، وصف هذه الدعوات، بأنها “تخدم أجندات لا علاقة لها بتطلعات الشعب السوري”، معتبرًا أن أي دعوة للتدخل الخارجي، تحت أي ذريعة أو شعار، لا تؤدي إلا إلى مزيد من التدهور والانقسام.
ولطالما كان طلب الحماية الدولية معقدًا وشائكًا وتتداخل فيه العقبات السياسية والقانونية والدبلوماسية، وخلال السنوات الـ14 الماضية، كانت سوريا حالة نموذجية لتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية الدولية، فالهدف الأساسي منه حماية المدنيين من انتهاك حقوق الإنسان والجرائم الدولية، حين تكون الدولة غير قادرة أو غير راغبة في حماية سكانها، وفق بحث للدكتورة غنى بديوي، وهي محامية وباحثة في القانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان.
وترى بديوي أن أسبابًا كثيرة، منها سياسية وقانونية، منعت تحقيق هذا الهدف بشكل كافٍ لتجنب المأساة السورية، كما أن هناك جانبين لوجستيين مهمين لا بد من معالجتهما في مبدأ المسؤولية عن الحماية الدولية، الأول هو الغموض المحيط بالمعايير اللازمة للتدخل، والثاني متعلق بالآلية التي يتم بها التصويت على القرارات في مجلس الأمن.
بعد سقوط النظام السوري السابق، برزت مطالب الشيخ حكمت الهجري بالحماية الدولية كأحد الملفات السياسية الأكثر تعقيدًا في المشهد السوري الجديد. ورغم رفض الحكومة السورية الجديدة لهذا المطلب واعتباره غير شرعي، فإن تكرار طرحه يعكس استراتيجية سياسية تهدف إلى تعزيز موقف الهجري التفاوضي مع دمشق.
يُشكّل طلب الحماية الدولية أداة ضغط يحاول “الهجري” استغلالها/ تفعيلها ضد الحكومة في دمشق، مستفيدًا من الأوضاع الأمنية غير المستقرة والتحديات التي تواجه السلطة الجديدة. وغالبًا ما يسعى الهجري من هذا الطرح إلى:
رغم صعوبة تنفيذ سيناريو الحماية الدولية لأسباب قانونية وسياسية، فإن تكرار الطرح يعكس عدة عوامل:
تصاعد هذا المسار واستمراره، قد يشكّل ضغطًا مؤلمًا على الحكومة السورية، خاصة إذا تم تبنّيه من قبل جهات دولية مؤثرة، وفي حال وصوله إلى أقصى درجات التصعيد، قد يؤدي إلى:
في المقابل، تحتاج الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات جدّية لإقناع المجتمع الدولي بعدم حاجة الدروز للحماية الدولية، وذلك عبر:
في النهاية، يبقى طلب الحماية الدولية ورقة تفاوضية قوية بيد الشيخ حكمت الهجري، رغم صعوبة تحقيقها عمليًا، لكن مجرد التلويح بها يشكّل ضغطًا على الحكومة السورية، التي تجد نفسها مضطرة للرد بقرارات سياسية ودبلوماسية لتفادي أي تصعيد دولي محتمل.
باختصار، يشكّل هذا المطلب أداة ضغط يحاول الهجري تفعيلها ضد الحكومة في دمشق، لتعزيز قدراته التفاوضية معها، عبر قنوات مختلفة. ورغم صعوبة تنفيذ هذا السيناريو (الحماية الدولية)، فإن المسار باتجاه طلبها قد يشكّل أداة ضغط مؤلمة للحكومة، في حال تصعيده، من قبيل، رفع دعاوى أو مطالب بذلك أمام مؤسسات دولية، كمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وإذا ذهب هذا المسار إلى أقصاه، وهو احتمال منخفض لكنه وارد، قد يؤدي إلى تدخل دولي دبلوماسي، أو حتى عسكري محدود. لذلك، فإن التلويح بتصعيد هذا المسار، يشكّل، دون شك، أداة ضغط على الحكومة بدمشق، التي تحتاج بالمقابل للقيام بخطوات جدّية تقنع المجتمع الدولي بعدم حاجة “الدروز” للحماية، وأنها تستطيع التكفّل بتحقيق ذلك.
منذ سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، ازداد التصعيد الإسرائيلي في سوريا، تحت عدة ذرائع، إذ بدأت إسرائيل التوغل وتدمير ترسانة جيش النظام المخلوع العسكرية، بزعم خوفها من وقوعها في “أيدي متطرفين” حسب قولها، وحماية أمنها ومواطنيها، وقلقها من تنامي النفوذ التركي على الساحة السورية.
أحدث الذرائع الإسرائيلية كانت “حماية الدروز“، وذلك بالتزامن مع اشتباكات في جرمانا وصحنايا والسويداء، إذ شنّ الطيران الإسرائيلي غارات جوية على مناطق متفرقة، أبرزها استهدفت نقطة قرب القصر الرئاسي في العاصمة السورية دمشق.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن الجيش هاجم هدفًا قرب القصر، مجددًا تعهده بحماية أبناء الأقلية الدرزية، بعد إبداء الاستعداد للتدخل ضد أي تهديد يطول الدروز.
بعض الغارات التي قالت عنها إسرائيل إنها “عملية تحذيرية ورسالة جدية” إلى القيادة السورية، مفادها أن تتوقع من إسرائيل “التحرك لمنع إلحاق الأذى بالدروز”، تتعارض مع الواقع السوري، ومع سنوات من وجود الدروز في مدينة إدلب، في ظل حكم “الإنقاذ” و”هيئة تحرير الشام” سابقًا قبل سقوط الأسد.
وبحسب إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من دائرة شؤون الأقليات في حكومة “الإنقاذ”، في أيلول 2024، بلغ عدد السكان من الطائفة الدرزية في إدلب 11115 شخصًا، موزعين على 16 قرية درزية، أبرزها كفتين وكفربني وبنابل وقلب لوزة وكفركيلا وعبريتا وجدعين.
أبناء الطائفة الدرزية تعرضوا لانتهاكات في إدلب، لكنها انخفضت تدريجيًا خلال السنوات، وبعد زيارة أحمد الشرع لمنطقة جبل السماق في 2022، تعهّد بإعادة الحقوق لأصحابها، وأرجعت “الهيئة” منازل وأراضي صادرتها إلى بعض الأهالي، عدا أن يكون صاحبها مرتكبًا لانتهاكات أو منخرطًا في صفوف قوات النظام أو ميليشيات مقربة منه.
المبرر الإسرائيلي (حماية الدروز) تبعته إشارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى وجود مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء لتخفيض التصعيد بين سوريا وإسرائيل، وذلك لـ”تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة”، حسب قوله.
كما جرت، في 8 من أيار الحالي، جولة مفاوضات ثالثة بين تركيا وإسرائيل، في العاصمة الأذربيجانية، باكو، بمشاركة كبار المسؤولين، حول الدور التركي في سوريا.
المحلل السياسي والباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، قال لعنب بلدي، إن إسرائيل عملت جاهدة منذ سقوط نظام الأسد على مشروع جعل سوريا دولة منزوعة سلاح، والاستثمار في استمرار الفوضى وإعطاء انطباع يؤخر عملية رفع العقوبات ويؤخر عملية الانفتاح السياسي على الإدارة الجديدة في سوريا.
وأضاف أن إسرائيل عملت على إثارة الفوضى في عدة ملفات، منها استغلال جزء بسيط من المكون الدرزي في السويداء، وجعل هذا الجزء يطلب الحماية الخارجية من إسرائيل ويتواصل معها، لافتًا إلى أن الموقف اليوم في السويداء لا يمكن أن يختزل بجزء من المكوّن، في حين أن الصوت الأعم والأكبر في السويداء يرفض هذا الأمر.
ويرى علوان أن إسرائيل استثمرت في مبرر “حماية الدروز” ليس فقط لإثارة الفوضى، بل من أجل إكمال مخطط تدمير بعض المواقع والبنية التحتية العسكرية في سوريا، لذلك ضربت في صحنايا تحت عنوان “حماية الدروز”، وبعد ذلك ضربت عدة مواقع عسكرية منها في درعا ودمشق وحماة واللاذقية.
وتعتمد إسرائيل، وفق علوان، على هذه الاستراتيجيات لخلق بيئة مناسبة لها في محيطها، وعدم السماح لمنظومات ما دون الدولة بأن تكون قوية، وعدم السماح للدولة المركزية بأن تكون قادرة على أن تضغط وتفاوض من مركز قوة.
وعن وجود مباحثات ومفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، يرى علوان أنها لا يمكن أن تمضي اليوم بشكل مباشر بسبب التغول الإسرائيلي الكبير جدًا، لكن هناك فرصة لفتح مسار تهدئة حقيقي في حال استجابت إسرائيل لهذه الوساطات، مع وجود ضغط غربي وعربي.
وفي حال توقفت إسرائيل عن سياستها التصعيدية في سوريا، فيمكن أن تكون هناك مفاوضات للعودة إلى وقف إطلاق النار والالتزام باتفاق فض الاشتباك عام 1974، أو إعادة صياغة مثل هذا الاتفاق، وفق الباحث.
وفي 7 من أيار الحالي، قالت مصادر أمنية لوكالة “رويترز”، إن الإمارات العربية المتحدة أنشأت قناة للمحادثات بين إسرائيل وسوريا في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة السورية إلى الحصول على مساعدة إقليمية لإدارة علاقتها مع إسرائيل، التي اتخذت خطوات معادية تجاه سوريا خلال الأشهر الماضية.
ونقلت الوكالة عن مصدر أمني سوري ومسؤول استخبارات إقليمي (لم تسمِّهما) أن الاتصالات غير المباشرة التي لم يعلن عنها من قبل، تركز على مسائل الأمن والاستخبارات وبناء الثقة بين سوريا وإسرائيل اللتين لا تربطهما علاقات رسمية.
ووصف المصدر الأول الجهود التي بدأت بعد أيام من زيارة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى الإمارات، في 13 من نيسان الماضي، بأنها تركز حاليًا على “المسائل الفنية”، وقال إنه لا يوجد حد لما قد يناقَش في نهاية المطاف.
اقتصاد
سياسة
سوريا محلي
سياسة