الإثنين, 16 يونيو 2025 10:04 PM

توترات متصاعدة على الحدود الليبية السودانية: هل تنجرّ ليبيا إلى الصراع السوداني؟

توترات متصاعدة على الحدود الليبية السودانية: هل تنجرّ ليبيا إلى الصراع السوداني؟

أحمد مصطفى: بعد فترة هدوء نسبي، تعود التوترات لتخيم على المنطقة الحدودية في أقصى جنوب شرق ليبيا، وسط مخاوف من امتداد الصراع الدائر عند المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر إلى هذه المنطقة الصحراوية الهشة أمنياً.

يأتي هذا التصعيد على خلفية المعارك بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بزعامة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، والتي أعلنت سيطرتها على المنطقة الحدودية قبل أيام. وجدد الجيش السوداني اتهاماته للجيش الوطني الليبي بدعم "قوات الدعم السريع"، وهو ما نفته قوات الجنرال خليفة حفتر بشدة، مؤكدةً سيطرتها على شرق ليبيا وأجزاء واسعة من الجنوب.

أعربت القيادة العامة للجيش الوطني عن استغرابها من "مزاعم القوات المسلحة السودانية" ووصفتها بـ"الباطلة"، مؤكدةً أن الحديث عن تدخلها في أراضٍ سودانية أو انحيازها لطرف في الصراع "رواية مكررة ولا تمتّ للواقع بصلة، وتعدّ محاولة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية عبر خلق عدو خارجي وهمي".

في بيان رسمي، شددت القيادة على "التمسك بحسن الجوار ودعم الحل السلمي في السودان"، مع التأكيد في الوقت نفسه على أنها "لن تتهاون في حماية الحدود الليبية من أي تهديد"، مشيرةً إلى تكرار اعتداءات من قبل القوات السودانية على الحدود في الآونة الأخيرة، تم التعامل معها "بهدوء حفاظاً على العلاقات، مع احتفاظنا بحق الرد، كما حدث مؤخراً عندما اعتدت قوة تابعة للجيش السوداني على دورية ليبية كانت تقوم بواجبها في تأمين الجانب الليبي من الحدود. وقد انتهى الحادث في حينه دون تهويل".

وأضاف البيان: "لم ولن نكن يوماً مصدر تهديد لجيراننا، بل نحن حريصون على استقرار المنطقة، وضبط حدودها، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، بالتنسيق الأمني المحكم مع دول الجوار".

وبالمثل، نفت وزارة الخارجية في الحكومة الموازية (المسيطرة على شرق وجنوب ليبيا) انخراطها في الصراع السوداني، مؤكدةً حرصها على "احترام سيادة الدول وصون الاستقرار الإقليمي، ورفض أي سلوك يمكن تأويله كخرق لتلك المبادئ".

في سياق متصل، أعلن الجيش الوطني عن ضبط شبكة تهريب تضم ليبيين وأجانب في منطقة حدودية مع السودان ومصر. وقال بيان إن "كتيبة السلام" أوقفت المهربين، وصادرت كميات كبيرة من الوقود والأسلحة والذخائر ومعدات اتصال لاسلكي، مشيراً إلى أن "المهربين كانوا يخططون لنقل هذه المضبوطات إلى حركات مسلحة مقابل مبالغ مالية ضخمة". كما أعلن الجيش، نهاية الأسبوع الماضي، أن كتيبة "سبل السلام" طاردت سيارة مجهولة محملة بالأسلحة والذخائر، حاولت التسلل إلى الأراضي الليبية عبر الحدود السودانية، ما أدى إلى انفجارها أثناء المطاردة.

ويقول المحلل السياسي الليبي عمر أبو أسعيدة، إن التوتر الأخير في جنوب شرق ليبيا جاء عقب "هجوم شنته إحدى الفصائل المتمردة سابقاً، والداعمة حالياً لقوات البرهان، على دورية تابعة لكتيبة سبل السلام، المكلّفة بتأمين الحدود في منطقة المثلث وجبل العوينات بين ليبيا والسودان"، مشيراً إلى أن "الاعتداء استفز القوات الليبية التي ردّت بحزم".

ويضيف أبو أسعيدة أن قائد الجيش الوطني خليفة حفتر سعى منذ اندلاع الحرب في السودان إلى التهدئة من خلال اتصالاته بكل من حميدتي والبرهان، لكنه قوبل باتهامات من الأخير بدعم قوات "الدعم السريع"، في محاولة واضحة لتصدير الأزمة إلى الخارج. لكنه يستبعد تصعيداً مباشراً، "إذ إن القوات المسلحة الليبية تركّز على تأمين الحدود ومنع تسلل الفوضى، بينما لا يزال الجيش السوداني غارقاً في معركة داخلية لم تُحسم بعد".

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور يوسف الفارسي أن "هناك أبعاداً سياسية وراء تكرار الاتهامات الموجهة للقوات الليبية"، موضحاً أن تفاقم النزاع على مقربة من الحدود الليبية – السودانية "فاقم التحديات الأمنية للجيش الليبي في الجنوب، خاصةً في ما يتعلق بمكافحة التهريب والهجرة غير الشرعية"، مشيراً إلى أن "بعض الأطراف السودانية تحاول استغلال الوضع للتوغل داخل الأراضي الليبية، وهو ما أدى إلى مواجهات محدودة في بعض النقاط الحدودية".

ويحذر الفارسي من أن "استمرار التوتر واستخدام بعض الحوادث كذرائع، قد يؤدي إلى مواجهات أوسع على الحدود، وهو أمر ستكون له تداعيات كبيرة على الداخل الليبي".

أما الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية محمد امطيريد، فيعتبر أن "الاتهامات المتكررة للجيش الوطني الليبي تقف وراءها جماعة الإخوان الداعمة للبرهان، بهدف تأجيج الرأي العام وخلق عدو وهمي لاستنزاف قدرات الجيش الليبي". ويقول إن "هذا النمط من التصعيد تكرر منذ 2023، كما حدث عند الحدود مع تشاد حين اعتدت جماعات مسلحة على المواطنين الليبيين قبل أن تبسط القوات الليبية سيطرتها على المنطقة".

ويرى امطيريد أن "البرهان غير قادر على السيطرة على دارفور، القريبة من المثلث الحدودي، وتسعى بعض القوات المتحالفة معه إلى خلق أزمة في هذه المنطقة لخلط الأوراق".

مشاركة المقال: