الإثنين, 16 يونيو 2025 11:35 PM

الأدب في زمن العزوف: هل ستحاسبنا الأجيال القادمة على ما نكتب؟

الأدب في زمن العزوف: هل ستحاسبنا الأجيال القادمة على ما نكتب؟

خطيب بدلة: نمتلك، نحن الأدباء، قدرًا كبيرًا من الأوهام.. والأوهام، لعلمكم، نافعة، فهي تساعدنا على الاستمرار بالكتابة، لأننا، لو أدركنا حجم عزوف الناس عن متابعة ما “نقترف” من شعر، وقصص، وروايات، لأقلعنا عن الكتابة حالًا، وذهبنا نبحث عن شيء نعمله، ذي قيمة، أو مردود.

أذكر أن الطبعة الأولى من مجموعتي القصصية، “حكى لي الأخرس”، أثارت انتباه بعض العاملين في الوسط الثقافي، حين صدورها سنة 1987، ولكن نسخها بقيت معروضة على رفوف المكتبات، سنين طويلة، مع أن حجمها صغير، وثمنها رخيص.. ولم يكن هذا الكساد خاصًا بي، وحدي، بل كان ظاهرة عامة، حتى إن صديقي الشاعر فايز خضور، قال لي، ذات مرة، بجرأته وصراحته المعهودتين: نحن في اتحاد الكتاب العرب، نطبع كتبًا لا قيمة لها، ونكدسها في مستودعات الاتحاد، حتى ضاقت بها المستودعات، وعدنا لا نعرف كيف نرحلها.

بعد مرور سنوات، تذكرتُ ما قاله لي الصديق فايز، فقد أصدر اتحاد الكتاب قرارًا، يقضي بتخفيض أسعار مطبوعاته إلى حدود ما يَصطلح عليه بائعو الخضار، عند اقتراب المساء “شو ما قالوا شالوا”، وفيما بعد سمعنا بإعلان مناقصة لبيع كتب الاتحاد القديمة بالبالات، لاستعمالها في شؤون أخرى غير القراءة، والعلم، والثقافة.

ويبدو أن نظرية فايز خضور لم تكن مقتصرة على مطبوعات اتحاد الكتاب، فالكساد عم معظم الكتب المطبوعة، فكانت مبيعات معارض الكتاب السنوية تتصدرها الكتب الدينية، وبعض الكتب السياسية المزورة، مثل كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون”، وكتب الأبراج، بالإضافة إلى دواوين نزار قباني، وروايات حنا مينة، وأشعار عمر الفرا.. وهذا كله كان قبل اختراع الكمبيوتر، والإنترنت، وظهور الكتاب الإلكتروني، فأصبحت قراءةُ الألوف من الكتب متاحة لمن يشاء، دون دفع قرش واحد، فإذا جمعتَ، مع هذه العوامل، حقيقةَ أن شعوب بلادنا لا تهوى القراءة، تفهم كيف تشكلت أوهامنا، نحن الكتاب، بأننا نؤثر في الناس، ونعمل على تحقيق التغيير المنشود، نحو الأفضل.

ما تحدثت به، أعلاه، ينحصر بالإبداعات التي يفترض أنها راقية، وتحررية، وتفيد الناس على نحو أكيد، ولكن، ماذا بشأن الكتابات التي تتزين باللغة، والبلاغة، وحسن الصياغة، وتخبئ في ثناياها التعصب، ومعاداة المرأة، والتمييز ضد أبناء الشعب؟ وماذا بشأن الكتب الدينية المتشددة التي تثير الفتن، وتسوغ القتل والتهجير؟ ألا يكون حال ذلك الشعب الغلبان أحسن، لو أن مبدعيها سكتوا، أو انتقلوا للعمل في مجالات أخرى غير الإبداع؟

تحضرني، هنا، حكاية، يمكن أن تلخص المسألة كلها: كان يعيش بيننا، نحن الكتاب المتوهمين بأن إبداعاتنا تحتل موقع الصدارة بين القراء، قاص لا يجيد صياغة نص قصصي متميز، وفوق هذا كله يخطئ في الإملاء، ولم يكن ليعثر على صحيفة تنشر قصصه، ولا حتى في “بريد القراء”، وذات مرة، أرسل قصة في البريد، إلى صحيفة، وبعدما أرسلها انتبه إلى وجود خطأ في قفلتها، فأرسل رسالة أخرى إلى الصحيفة، طلب منهم أن يستدركوا الوضع، ويصححوا القفلة، وعندما حكى لنا ما جرى، قال: تصوروا، لو أبقيتها كما هي، كيف ستنظر إلي الأجيال القادمة؟!

مشاركة المقال: