الجمعة, 20 يونيو 2025 03:51 PM

ردود فعل متباينة: شباب أمريكي يحتفل بالضربة الإيرانية وتأثيرها على الوعي العالمي

ردود فعل متباينة: شباب أمريكي يحتفل بالضربة الإيرانية وتأثيرها على الوعي العالمي

في فجر الرابع عشر من حزيران (يونيو)، أطلقت إيران عشرات الصواريخ الباليستية الدقيقة، رداً على اعتداء استهدف منشآت واغتيال عدد من القادة العسكريين والعلماء والمدنيين.

بينما كانت عواصم القرار الغربي تتهيأ لصياغة بيانات التنديد الروتينية، كانت مفاجأة الحدث تتجلّى في صدى هذه الضربة لدى جمهور لم يكن يوماً في حسبان طهران: الشباب الأميركي.

بين السخرية والارتياح على منصات مثل تيك توك، حيث اعتادت السياسة أن تُعامل كسلعة ترفيهية أو نكتة عابرة، ولدت هذه المرة لحظة شعورية جماعية.

عشرات الآلاف من مقاطع الفيديو، منشورات، تعليقات، مزجت بين السخرية والارتياح. كانت وجوه الفرح صادمة.

لم تكن وجوه ناشطين سياسيين أو مثقفين يساريين تقليديين، بل وجوه عادية لشباب وشابات أميركيين، بعضهم لم يتحدث من قبل في السياسة، وبعضهم الآخر كان غارقاً في ثقافة البوب والموضة والترفيه.

مع ذلك، خرجوا فجأة من لا مكان ليعبّروا، وبلا مواربة، عن فرحهم بما وصفوه «أول لحظة يشعر فيها المجرم بالخوف».

الفيديوهات المنتشرة كانت كافية لتقول كل شيء. شاب تلف وجهه ابتسامة عريضة يقول ساخراً: «أنا حزين على قصف تل أبيب، لا أصدق أنّ الجميع سيضطر إلى ترك البيناكولادا والذهاب إلى الملجأ». آخر يقول: «أنا لا أفهم كيف يقصف أحدهم خمسة بلدان في أسبوع ويلعب دور الضحية، ألستم أنتم من بدأتم الاعتداءات؟.

فتاة أخرى تقول بسخرية: «يا إلهي لا أصدق أنّ المنزل الذي سرقته للتو قد تم قصفه».

وفي كل ذلك، كان لافتاً أنّ هذه المشاعر لم تأتِ بعد قراءة مقالات سياسية أو مشاهدة تقارير إخبارية موجهة، بل هي خلاصة تراكم بصري ونفسي دام قرابة عامين وأكثر، منذ بداية الحرب الكبرى على غزة أواخر 2023. في تلك الحرب، تحطّمت الحواجز الإعلامية القديمة.

صار المشاهد الغربي يرى القصف في لحظته، ويسمع بكاء الأمهات فوراً، ويرى بأمّ عينه الطفلة التي تستغيث قبل أن تنهار فوقها البناية. صور يومية، مرّت على هواتف الناس كما يمرّ الدم في العروق.

جيل بأكمله تعرّض لصدمة بصرية وأخلاقية هائلة، ولم يجد أي خطاب رسمي أو إعلامي قادر على تبرير ما يرى.

ولأن هذا الجيل هو جيل الإنترنت، فهو لا يتغذّى من النشرات الإخبارية، بل من المنصات الفورية، من لقطات غير منقّحة، من بثوث حيّة، من شهادات مباشرة.

وهنا بالتحديد بدأت الرواية تتهاوى. بينما ظل السياسيون في واشنطن يكرّرون شعارات فارغة عن «حق في الدفاع عن نفسها»، و«تهديد ايران النووي» كان الفيديو يتحدّث بلغة أخرى: مجازر، دماء، أشلاء، ومستشفيات تُدمّر بمن فيها. فجأة، لم تعد تبدو كـ «دولة» ضحية، بل كآلة بطش متغطرسة، تمتلك ترسانة غير متكافئة، وتقتل بلا محاسبة.

حين جاءت الضربة الإيرانية، كانت أشبه بصدى انتظره هؤلاء الشباب طويلاً. لم تكن لحظة انتقام شخصي، بل لحظة عدالة رمزية. شيء في الوعي الجماعي قال لهم إن هذا الرد ليس دفاعاً إيرانياً بقدر ما هو إدانة لما عجز العالم كله عن وقفه.

كأن هذا القصف أتى من طرف مجهول بالنيابة عن كل أمّ لم تجد من يسمع صراخها، وعن كل جثة ظلّت بلا هوية تحت الركام. لذلك كان الفرح صادقاً، مباشراً، غير معقّد، وخالياً من الحسابات السياسية المعتادة.

منشورات تيك توك لم تتحدث عن البرنامج النووي الإيراني، ولا عن توازنات الشرق الأوسط، بل تحدثت عن شيء أعمق: إحساس دفين بأن العالم كان مختلاً، وأن لحظة التوازن المعنوي قد عادت، ولو قليلاً.

الجيل الذي كان يُنظر إليه كمستهلك سطحي، أثبت فجأة أنه يمتلك بوصلةً أخلاقية ربما تكون أكثر حساسية مما تصوّر الجميع. لم يكن بحاجة إلى محاضرات نظرية عن الاستعمار والاستقواء. كل ما احتاجه هو صورة طفل مغطّى بالتراب والدماء في غزة، وقصف جديد يُسمع صداه في قلب تل أبيب.

هذا الجيل لم يكن موجوداً حين جرى تطويع الرأي العام الأميركي خلف في الستينيات والسبعينيات.

هو جيل لا يؤمن بالروايات الرسمية، ولا بالتحالفات المطلقة، ولا يثق في حكومته، ولا في سياسات البيت الأبيض. هو جيل تربّى على التشكيك، على كشف النفاق، على محاكمة القوة لا تمجيدها.

ولذلك، حين رأى تقتل بلا حسيب، ثم تشكو من صاروخ مضاد، ضحك ساخراً، وشعر للمرة الأولى أن معادلة القوة تمسّها يد مجهولة.

فرحة الشباب الأميركي، تلك التي غمرت منصات التواصل لحظة القصف الإيراني، لا تعبّر فقط عن موقف سياسي، ولو غير ناضج بما فيه الكفاية، بل إنّها مؤشر عميق على ولادة وعي جديد.

وعي يرى في الرد الايراني أداةً لا للدمار، بل لكسر الصمت العالمي الذي طال أكثر ممّا يجب. وعي يُدرك أن الصاروخ، في سياقه هذا، لم يكن مجرد أداة حرب، بل صرخة أخلاقية، في وجه عالم خان ضميره مراراً.

لا يمكن بعد اليوم التعامل مع الرأي العام الغربي بالطريقة القديمة نفسها، لأنّ الحصانة النفسية التي كانت تحمي إعلامياً بدأت تتآكل.

ولأن الجيل الذي يحتفل على تيك توك ليس مجرد ضوضاء إلكترونية، بل مشروع ضمير عالمي جديد، يكتب التاريخ من خلف شاشته، ويضحك في وجه الدعاية القديمة. «لقد ردّت إيران. وأحسنَت الرد» قال الشباب الأميركي، بل إنه ذهب أبعد من ذلك، وبدأ باستعمال الرواية نفسها ضد ، فـ «الحق في الدفاع عن نفسها» صبّ هذه المرة لمصلحة إيران.

فيديوهات الشباب الأميركي أعادت أيضاً طرح قضية النووي الخارج عن كل رقابة وسيطرة، وكيف مسموح به ل وممنوع على غيرها. التهكم طال كذلك القبة الحديدية وأنظمة الدفاع الجوية التي تتمركز بين بيوت «المدنيين» في تل أبيب، في إشارة إلى الدعاية التي مارستها مع لبنان وفلسطين بالادعاء بوجود صواريخ وأسلحة بين بيوت المدنيين لتبرير قصفها.

في نهاية المطاف، لم تكن صواريخ إيران هي ما دوّى فقط، بل ارتجاج الوعي في الضفة الأخرى من العالم.

جيلٌ وُلد في ظل الهيمنة الغربية، تربّى على الإعلام الموجَّه، يبدو أنّه بدأ بكسر القالب وتعلّم أن يرى الحقيقة عبر هاتفه، لا عبر نشرات الأخبار. وفرحُه هذا، ليس إلا نفياً لصمتٍ طويل خنق الضحية الحقيقية ورفع المجرم إلى مصاف «المدافع عن نفسه».

إنها لحظة فارقة، ليست لأنها قلبت موازين القوى، بل لأنها كشفت أنّ الكذب لم يعد قادراً على تكميم القلوب.

هذا الفرح الأميركي الشعبي، العفوي، الصاخب أحياناً، المربك للمؤسسات الغربية، ليس نزوة عابرة، بل هو جرس إنذار: الرواية تتغيّر، والضمير العالمي يُبعث ربما – من جديد، لا في قاعات الأمم المتحدة، بل في عين شاب لم يقرأ السياسة، لكنه شاهد الحقيقة، وقرّر أن يفرح لها، ولو مرّة.

مشاركة المقال: