الجمعة, 20 يونيو 2025 09:29 PM

ما بعد الذروة: صراع الاستنزاف وتوازن العجز بين إيران، إسرائيل، والفخ الأمريكي

ما بعد الذروة: صراع الاستنزاف وتوازن العجز بين إيران، إسرائيل، والفخ الأمريكي

كتب أنس جوده منذ أيام أن المواجهة بين إيران وإسرائيل قد بلغت ذروتها العملياتية دون حسم. لكن التطورات الأخيرة غيرت الأولويات، فلم تعد الحرب تدور حول الانتصار، بل حول من ينهار أو يطلب التهدئة أولاً. دخل الصراع مرحلة استنزاف مكشوفة، تتبادل فيها الأطراف استعراض قدراتها التسليحية، وتتحول معادلة "عض الأصابع" بين صواريخ الهجوم والدفاع إلى محور الحسم.

في هذا النوع من المواجهات، المنتصر هو من يصمد دون انهيار، والخاسر هو من يفشل في تغيير الواقع. سيناريو "حرب الوكلاء"، الذي كان مرجحاً، بات مؤجلاً أو محدود الأثر، لأن مجموعات الوكلاء لا تملك أوراق قوة حاسمة، والأفضل إبقاء مواردها لمرحلة ما بعد انهيار النظام المركزي والفوضى. أي تصعيد قد يدفع الولايات المتحدة للتدخل المباشر، وهو ما تسعى طهران لتجنبه.

كلما طال أمد المنطقة الرمادية بين الضربات المتبادلة والقرار السياسي، زادت قدرة إيران على التفاوض من موقع "الصامد"، لكنها بالمقابل تُستهلك داخلياً وتفقد شرعيتها الشعبية. في المقابل، الولايات المتحدة، التي كانت تظن أنها تمسك بخيوط التصعيد، بدأت تفقد السيطرة. خطاب الرئيس ترامب المتردد والانقسام داخل الحزب الجمهوري يكشفان أن واشنطن عالقة في مأزق صنعته بنفسها.

التحركات العسكرية تشير إلى احتمال تدخل عسكري ضد المنشآت النووية، في مغامرة مكلفة قد تتسبب بانفجار إقليمي شامل، بينما التراجع سيفقد واشنطن هيبتها، كما حدث مع خطوط أوباما الحمراء. هنا تبرز احتمالات الحلول التوافقية مع الخصوم.

تحالف روسيا – الصين، الذي يبدو ناعماً، لا يسعى لحماية النظام الإيراني بالضرورة، بل لمنع تفكك الدولة. رسم خطوط حمراء واضحة (استهداف المرشد، تفجير المفاعلات) هدفه إطالة أمد الاستنزاف وإخراج واشنطن من معادلة الهيمنة المنفردة في المنطقة.

أي "نصر" إيراني سيكون باهظ الثمن، وسيفتح الباب أمام تفكك داخلي شبيه بالنموذجين العراقي والسوري، وسيحتاج الغرب لتقاسم النفوذ مع هذا التحالف لاحتواء التفتت ومنع الفوضى. إقليمياً، تمارس السعودية والإمارات حياداً ذكياً يتحول إلى تمايز استراتيجي، فاستنزاف الطرفين مصلحة استراتيجية لهما، بينما تركيا تتحرك في الظل، تراقب الطريدة الإيرانية وتعد أوراقها لقطف مكاسب استخباراتية وجيوسياسية شبيهة بما فعلته في سوريا.

أما سوريا، فهي الجبهة المؤجلة بانتظار الرابح. ولكن السلطة خاسرة حكماً، فإن انهار النظام الإيراني، فقد تتمدد سلطات الأمر الواقع مؤقتاً، ولكن على المدى المتوسط سيفتح الباب على البحث عن تمثيل أكثر اعتدالاً بسبب انتهاء الدور العسكري، أما إن بقي، فسيُغلق باب الاعتراف الإقليمي ويُعاد رسم مشهد النفوذ.

تبقى الشرعية الداخلية هي العامل الفارق، فمن يستثمر هذا الوقت لبناء شرعية حقيقية يمكن ان يحجز مكانا في المشهد الجديد، ومن يكتفي بجمع المال استعدادا للعودة الى المغارة فلن يكون سوى وقودا للمرحلة القادمة.

نحن اليوم أمام توازن هشّ لا يُنتج حلاً ولا يُنهي حرباً. إيران لا تستطيع الانتصار، وإسرائيل لا تملك الحسم، وأميركا تخشى السقوط في المستنقع. وفي لحظة ما، قد يكفي اغتيال أو قصف خاطئ لتتفكك المعادلة. الندم قادم، والسؤال فقط: من سيبدأ به أولاً.

(اخبار سوريا الوطن ٢-صفحة الكاتب)

مشاركة المقال: