الجمعة, 20 يونيو 2025 11:05 PM

كارثة صرف صحي تهدد تلبيسة: تفاقم الأزمة يهدد حياة 30 ألف نسمة

كارثة صرف صحي تهدد تلبيسة: تفاقم الأزمة يهدد حياة 30 ألف نسمة

في ظل الظروف المعيشية القاسية التي تعيشها مناطق ريف حمص الشمالي، تبرز أزمة الصرف الصحي كأحد أبرز التحديات الخدمية التي تواجه السكان، مهددة الصحة العامة وسلامة البيئة. وتعتبر مدينة تلبيسة من بين أكثر المناطق تضررًا، حيث تحولت مشكلة الصرف الصحي إلى كارثة صحية حقيقية تهدد حياة حوالي 30 ألف شخص.

شبكة متهالكة في الشرق وغياب كامل في الغرب

يؤكد مروان نوح، أحد سكان مدينة تلبيسة، أن "مشكلة الصرف الصحي في تلبيسة سيئة للغاية بشكل عام". ويشير إلى أن الجزء الشرقي من المدينة، الواقع على جانب الطريق العام (المعروف محليًا باسم الأوتوستراد)، يمتلك شبكة صرف قديمة ومتهالكة. ويضيف: "الشبكة تالفة، والمواصفات التنفيذية غير سليمة، بالإضافة إلى الأضرار التي خلفتها الحرب من انهيارات وتشققات بسبب القصف والاشتباكات المسلحة".

وفي حديثه لمنصة ، أشار إلى أن الأنقاض والأتربة الناتجة عن المعارك السابقة دخلت إلى الشبكة، مما زاد من صعوبة إصلاحها وتطلب جهودًا وتكاليف كبيرة لا تستطيع الجهات المحلية توفيرها حاليًا. أما في الجزء الغربي من المدينة، فالوضع أسوأ، حيث لا توجد شبكة صرف صحي نظامية أصلًا. ويوضح نوح أن السكان يعتمدون على "الجور الفنية" أو ما يعرف بـ"الحفر الفنية"، حيث يقوم كل منزل بحفر حفرة خاصة لتصريف المياه العادمة بطريقة غير آمنة.

تلوث بيئي وانتشار الأمراض

يشير نوح إلى خطورة هذا الوضع غير الصحي، قائلاً: "المياه العادمة تتسرب إلى التربة، خاصة وأن المنطقة الغربية منطقة زراعية". ويضيف أن مياه التنظيف ومياه المراحيض وغيرها من المخلفات المنزلية تتسرب مباشرة إلى الأرض، مما يؤدي إلى تلوث الآبار الجوفية وانتشار الأمراض. ويتابع: "أصبحت المياه الجوفية غير صالحة للاستخدام البشري أو الزراعي، ومع النقص الحاد في مصادر المياه العذبة، يضطر الكثيرون لاستخدام هذه المياه رغم مخاطرها، مما يؤدي إلى انتشار المشاكل الصحية بين الأطفال وكبار السن، مثل الأمراض الجلدية والمعوية".

مشروع كبير ضروري لكن التمويل عائق

ويوضح نوح أن الحل الوحيد هو تنفيذ مشروع شامل لشبكة صرف صحي جديدة يمكن ربطها بنهر العاصي، لكن ذلك يتطلب إنشاء محطة لتصفية وتحليل المياه قبل تصريفها في النهر. ويوضح أن المشروع يحتاج إلى تمويل ضخم، حيث قدرت دراسة سابقة تكلفته بنحو 5-6 ملايين دولار أمريكي، وهو مبلغ كبير حتى بالنسبة للدولة حاليًا، فما بالك بالجهود المحلية أو الجمعيات الأهلية التي تعتمد على التبرعات فقط.

آمال بأعمال إنقاذية مؤقتة

من جانبه، يؤكد إبراهيم قيسون أن المشكلة ليست جديدة، بل تعود إلى أكثر من عشر سنوات، وقد حاولت الجهات المعنية سابقًا تنفيذ مشروع صرف صحي للمنطقة في منتصف عام 2012، لكن الأحداث الأمنية أدت إلى توقفه بشكل نهائي. ويقول قيسون في حديثه لمنصة : "غياب شبكة صرف صحي نظامية أدى إلى انتشار الجور الفنية واستخدامها من قبل المواطنين، مما تسبب في تلوث كبير في المياه الجوفية". ويشير إلى أن معظم الآبار الموجودة في المنطقة سطحية نسبيًا وبعمق متوسط يقدر بحوالي 30 مترًا، وقد تأثرت جميعها وتلوثت بمياه الصرف.

ويضيف أن هناك رغبة قوية من الأهالي لإيجاد حل جذري لهذه المشكلة عبر مد شبكة صرف صحي شاملة، ليس فقط لتحسين الوضع الصحي، بل لأن هذا المشروع سيرافقه تأهيل وتعبيد للطرقات، التي ما زالت أغلبها غير معبدة أو منهارة، مما يؤدي إلى العديد من المشاكل اليومية.

موقف الحكومة: ضيق إمكانات مالية

من جانبه، قال عبد القادر الشعبان، رئيس المجلس المحلي لمدينة تلبيسة، في حديثه لمنصة سوريا 24: "الموضوع قديم جدًا ومنذ عشرات السنوات". وأشار إلى أن هناك فكرة لإنجاز مشاريع خدمية في المحورين الشرقي والغربي. وأكد أن "إحدى المنظمات تعمل حاليًا على المحور الشرقي، ومن المتوقع الانتهاء من تنفيذ المشاريع الخدمية فيه قبل فصل الشتاء".

أما بالنسبة للمحور الغربي، فهو يمتد على طول 14 كم، وتقدر تكاليف أعماله بأكثر من 50 مليار ليرة سورية، وهي تكاليف باهظة لا تستطيع الدولة تغطيتها حاليًا. وقال الشعبان: "ما تم إنجازه في مشروع الخط الغربي هو 5% فقط، وذلك قبيل اندلاع الثورة السورية". وأضاف: "نعد الأهالي بأنه بعد الانتهاء من المحور الشرقي سيبدأ العمل على المحور الغربي، لكن الأمر يحتاج إلى قليل من الصبر، ولن يكون هناك أي تقصير تجاه أهالي المنطقة".

استغاثة إنسانية

في ظل غياب الحلول الفورية، تستمر معاناة أهالي تلبيسة مع أزمة الصرف الصحي، التي باتت تهدد حياتهم اليومية وصحة الإنسان وبيئته. وبينما تنتظر المدينة دعمًا دوليًا أو تدخلات إنسانية عاجلة، تبقى الأوضاع تتفاقم يومًا بعد يوم، ويزداد معها القلق بشأن مستقبل صحي وبيئي قد يكون كارثيًا إذا لم يُتخذ موقف سريع وفعّال.

مشاركة المقال: