في تناقض لافت، وبينما يؤكد وزير الإعلام على أهمية الإتاحة والمتابعة في العمل الإعلامي بدلاً من التقييد والرقابة، تفرض وزارة الإعلام شروطاً يعتبرها البعض تعجيزية للحصول على تراخيص المواقع الإلكترونية. هذه الشروط تطال المواقع المرخصة منذ عقدين وتلك التي تنتظر الترخيص منذ عشر سنوات، في ظل ترقب لقانون إعلام جديد لم يظهر بعد.
الوزارة طلبت من المواقع المرخصة تحديث بياناتها، وهو إجراء مقبول، لكنها اشترطت أيضاً دفع ألف دولار أمريكي لتجديد الترخيص لمدة خمس سنوات. هذا يثير تساؤلات حول مبررات مطالبة المواقع المرخصة، والتي سددت التزاماتها المالية وتعمل وفق القوانين الحالية، بدفع مبالغ إضافية. كما يثار التساؤل حول طبيعة الترخيص، هل هو مؤقت أم دائم كترخيص الشركات والمكاتب؟
تتضمن الشروط أيضاً فرض مقر فعلي للمؤسسة الإعلامية بمساحة محددة كشرط للترخيص، وهو ما يبدو غير منطقي للمؤسسات الرقمية التي تدار افتراضياً. يثير هذا الشرط مخاوف من فتح الباب لعقود وهمية وإجراءات بيروقراطية قد تؤدي إلى الفساد. يجب على الوزارة أن تدرك أن المقارنة مع دول الجوار مثل تركيا غير مناسبة للوضع السوري، من حيث البنية التحتية ونموذج العمل وعائدية المواقع والدخل.
يرى أصحاب المصلحة أن المتابعة الحقيقية للمواقع الإلكترونية يجب أن تركز على مضمونها ونشاطها الإعلامي، وليس على تفتيش مقر مادي قد لا يكون له دور فعلي. فالمواقع المستضافة على خوادم خارجية، والتي يديرها محررون موزعون جغرافياً، لا تحتاج إلى مقر بالمعنى التقليدي.
كان من المتوقع أن تقوم الوزارة بتنظيم عمل المواقع والتأكد من استمرار نشاطها وإلغاء التراخيص غير الفعالة، بالإضافة إلى إلغاء الازدواج في رسوم وزارة المالية على الإعلانات. لكن فرض رسوم ترخيص جديدة دون سند قانوني يعتبر إجراءً غير موفق.
تفتقر شروط الترخيص الجديدة إلى سند قانوني واضح من حيث الرسوم والمدد، بل تتعارض مع قانون الإعلام الساري. من الطبيعي أن تسعى الوزارة لتنظيم المشهد الإعلامي، لكن هذا التنظيم يجب أن يكون عقلانياً. فهل يعقل أن يُطلب من صحفي يدير موقعاً بسيطاً منذ عشر سنوات، ويعمل داخل سوريا بجهد فردي، تسديد ألف دولار وتأمين مقر، في حين أنه لم يُمنح الترخيص سابقاً بسبب تأخر إصدار قانون إعلامي جديد؟
كان الأمل معقوداً على أن تعقد وزارة الإعلام ورشة عمل مع أصحاب المواقع الإلكترونية والإعلام الخاص للاطلاع على واقع عملهم وتحدياتهم قبل إصدار شروط يصعب تحقيقها. المطلوب اليوم هو وضع معايير مرنة وواقعية تنسجم مع البيئة السورية، بدلاً من استنساخ نماذج تنظيمية من دول أخرى.
يأمل المعنيون أن يقوم وزير الإعلام بمراجعة هذه الشروط، مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية المواقع الإلكترونية السورية تُدار من قبل أفراد غير مرتبطين بأحزاب أو جهات خارجية، وأن تشجيعهم على البقاء والعمل داخل البلد أفضل من دفعهم إلى الترخيص في الخارج. (اخبار سوريا الوطن 2- (A2Zsyria