الخميس, 26 يونيو 2025 11:20 AM

سوريا تطوي صفحة التعليم المؤدلج: إلغاء مادة التربية القومية وإطلاق رؤية جديدة للمناهج

سوريا تطوي صفحة التعليم المؤدلج: إلغاء مادة التربية القومية وإطلاق رؤية جديدة للمناهج

شهدت سوريا يوم الأربعاء الماضي حدثاً تاريخياً بإجراء امتحان مادة الاجتماعيات لطلاب شهادة التعليم الأساسي، وذلك بعد إلغاء مادة التربية القومية التي لازمت المناهج التعليمية لعقود.

تأتي هذه الخطوة بعد سقوط النظام في 8 كانون الأول 2024، وتحرير البلاد من قبضة نظام وظّف المناهج لغرس الولاء المطلق لحزب البعث وشخصياته الحاكمة، وعلى رأسهم حافظ الأسد وبشار الأسد.

حقبة من التلقين الإيديولوجي انتهت

لطالما كانت مادة التربية القومية أداة لتكريس فكر الحزب الواحد وتعزيز رواية السلطة، وذلك على حساب التعددية والانفتاح وحقوق الإنسان. وقد اعتمدت المادة بشكل أساسي على الحفظ والتلقين، مما أضعف التفكير النقدي لدى الطلاب وأثر سلبًا على وعيهم السياسي والاجتماعي. كان الطالب السوري مجبرًا على حفظ أقوال القادة وحزب البعث بدلًا من فهم واقعه وحقوقه.

رؤية نحو مستقبل ديمقراطي

أكد الدكتور إبراهيم الشبلي، الأكاديمي السوري، لموقع «سوريا 24» أن إلغاء مادة التربية القومية يمثل ضرورة وطنية في مسيرة الإصلاح التربوي والسياسي، مضيفًا: «إن إلغاء هذه المادة يأتي بعد تحرير سوريا من براثن عصابة الأسد، حيث كانت تربط الطالب السوري بأيديولوجيا حزب البعث، وتكرس فكر الحزب الواحد. إلغاء مادة التربية القومية يجب أن يُواكبه تصور تربوي جديد يعكس رؤية مستقبلية لسوريا كدولة ديمقراطية مدنية، لا يكون مجرد حذف بل فرصة تأسيس لمادة تزرع القيم الإنسانية وتُعدّ المواطن الحر المسؤول. هذا يتطلب إرادة سياسية، وإعدادًا تربويًا حقيقيًا، ومراجعة شاملة للمناهج وفق معايير المواطنة والدولة الحديثة.»

توضح هذه التصريحات أن الإلغاء ليس نهاية المطاف، بل بداية لعملية شاملة لتحديث التعليم بما يخدم بناء سوريا الجديدة.

الإلغاء خطوة أولى على طريق الإصلاح

يتفق المختص التربوي عقبة الجاسم، الحاصل على ماجستير مناهج وطرائق تدريس في تخصص تقنيات التعليم، مع هذا الرأي، حيث صرح لموقع «سوريا 24»: «إلغاء مادة التربية القومية هو بداية مهمة جدًا، لكنها خطوة أولى فقط. لا يمكن اعتبار ذلك إصلاحًا كاملاً بدون خطة شاملة لإعادة بناء المناهج وتطوير طرق التدريس والتقويم، بحيث تركز على التفكير النقدي والمواطنة الحقيقية بدلاً من التلقين والحفظ الأعمى.»

يؤكد الجاسم أن المنهج الجديد يجب أن يعكس التنوع الاجتماعي والثقافي لسوريا، ويركز على تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويشدد على أهمية تدريب المعلمين وإعداد بيئة مدرسية تدعم الحوار والابتكار.

مناهج جديدة نحو بناء المواطن الفاعل

يرى خبراء تربويون أن المناهج التي ستعتمد مستقبلاً يجب أن تُعزز مفهوم المواطنة من خلال مواد تربوية تدمج حقوق الإنسان، التفكير النقدي، العمل التطوعي، والحوار السلمي. كما يجب إدخال موضوعات تعزز الانتماء الوطني الجامع بعيدًا عن الانغلاق الطائفي أو القومي، وتعليم مهارات التعامل مع الاختلافات وحل النزاعات بشكل سلمي.

ويضيف الجاسم: «من الضروري تغيير أساليب التقييم لتكون قائمة على فهم الطالب وتحليله، لا على الحفظ فقط. كذلك يجب أن تُستخدم وسائل تعليمية حديثة تحفز المشاركة الجماعية والتفكير الإبداعي.»

إصلاح التعليم ركيزة لإصلاح المجتمع

يشير الجاسم إلى أن إصلاح المناهج والتعليم هو جزء من عملية أوسع لإصلاح المؤسسات التعليمية والتربوية، ويقول: «التعليم وحده لا يكفي، بل يجب أن تترافق هذه الخطوة مع إصلاح مؤسساتي شامل يضمن استقلالية المدارس والمعلمين ويعزز البيئة التربوية الملائمة التي تحترم التعددية وتدعم حرية التفكير.»

وبذلك، لا يعد إلغاء مادة التربية القومية مجرد تعديل في محتوى دراسي، بل خطوة سياسية واجتماعية وثقافية تؤسس لنهج جديد في بناء الإنسان السوري الذي يُعتبر محور أي إصلاح وطني.

منطلق لمرحلة جديدة

بهذا الإلغاء، يُطوى فصل مظلم من تاريخ التعليم السوري، ويُفتح الطريق أمام مناهج تعليمية علمية ووطنية منفتحة تركز على بناء جيل واعٍ ومشارك في بناء الوطن بحرية ومسؤولية. تعكس هذه الخطوة إرادة سياسية لتأسيس نظام تعليمي يعكس التنوع والحقوق ويؤسس لمجتمع ديمقراطي مدني.

مشاركة المقال: