الخميس, 26 يونيو 2025 05:56 PM

ممر زنغيزور: استثمارات أذربيجانية في التوتر الإقليمي وتداعياته على إيران وأرمينيا

ممر زنغيزور: استثمارات أذربيجانية في التوتر الإقليمي وتداعياته على إيران وأرمينيا

يرى البعض في أذربيجان أن إيران أصبحت في موقف ضعف نتيجة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، وهو ما يظهر ابتهاج باكو بهذا الوضع، رغم إخفاق طهران في تحقيق الأهداف الرئيسية للحملة ضدها. العلاقات بين أذربيجان وإيران تشهد توتراً مستمراً منذ استقلال أذربيجان، ويعزى ذلك إلى التحالف السياسي للسلطة في باكو مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف تطويق إيران من الشمال وتقويض النفوذ الروسي في منطقة القوقاز الجنوبي. وينطبق هذا أيضاً على جورجيا، التي تشكل مع أذربيجان وتركيا تحالفاً ثلاثياً في مواجهة إيران وروسيا، اللتين تدعمان أرمينيا.

تولّي نيكول باشينيان السلطة في أرمينيا عام 2018 غيّر التوازنات في القوقاز، حيث اتبع سياسات معادية لروسيا. هذا التحول لم يمر مرور الكرام على روسيا، وظهر ذلك خلال حرب الـ44 يوماً في 27 سبتمبر 2020 بين أذربيجان وأرمينيا، حيث لم تدافع روسيا عن نظام معادٍ لها في يريفان، مما ساهم في خسارة أرمينيا للحرب.

أسفرت الحرب عن خسارة أرمينيا لنصف إقليم قره باغ (ثم كلها عام 2023)، وكل الأراضي التي سيطرت عليها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. تم توقيع اتفاق في 9 نوفمبر 2020، ينص على فتح ممر بري (سكة حديد وطريق) يبدأ من مقاطعة نخجوان الأذربيجانية على حدود تركيا، وينتهي في أراضي أذربيجان، ويمر عبر أراضي أرمينيا بمحاذاة الحدود مع إيران.

اتفاق وقف إطلاق النار منح روسيا مهمة حفظ الأمن على طول الممر، الذي تطالب أذربيجان بالسيطرة عليه، كونه يربط بين أراضيها. أرمينيا أدركت لاحقاً أنها ارتكبت خطأ استراتيجياً بالموافقة على شق ممر «زينغيزور» الذي ينتقص من سيادتها. وإيران تعارض شق الممر الذي يفصلها برياً عن أرمينيا، وتراوغ أرمينيا في ذلك، متمسكة بحقها في السيادة على المنطقة.

باشينيان كان يسعى للسلام مع أذربيجان، لكن تخلي روسيا عنه وتشدد تركيا وأذربيجان، فرضا شروط سلام مذلة على يريفان، تتضمن ترسيم الحدود وفقاً لرغباتهما، وتوقيع اتفاق سلام نهائي يتضمن التخلي عن أي صلة بقره باغ وأرمينيا الكبرى، وعن تهمة الإبادة الموجهة إلى تركيا (عام 1915)، وفتح ممر «زينغيزور» بين نخجوان وأذربيجان.

فتح الممر يضر بمكانة إيران، وهو سبب إضافي للتوتر مع أذربيجان، التي كانت علاقاتها مع إسرائيل سبباً للشرخ في العلاقات بينها وطهران، خاصة وأن باكو كانت من العواصم المساندة لإسرائيل، ولا سيما على صعيد تصدير النفط عبر تركيا، بعدما كان للمسيرات الإسرائيلية والتركية دور مهم في حرب الـ44 يوماً.

الإعلام الأذربيجاني تعامل مع العدوان الإسرائيلي – الأميركي على إيران على أساس أن المعركة محسومة لصالح تل أبيب، وأن طهران ستخرج منها ضعيفة، وهو ما سيصب في مصلحة باكو. الصحافي حسين بال سليموف قال: «(إننا) نتفهّم موقف إسرائيل، فهي تضرب المنشآت النووية الإيرانية لأن الإيرانيين أعلنوا سابقاً أنّ هدف السلاح النووي هو إسرائيل».

الصحافي رؤوف عارف أوغلو اعتبر أن «العامل الروسي تراجع والتأثير الإيراني يختفي. وسيكون للقوّة الآذربيجانية والتركية الرأي الأخير في ما يجري في القوقاز الجنوبي»، متوقّعاً أنّ إيران «ستضعف وتُقسَّم، وتصبح أرمينيا تحت رحمة آذربيجان وتركيا، وقد لا يبقى لها وجود وتصبح هي كلّها ممرّ زينغيزور!».

الصحافة الأذربيجانية توقعت أن يكون تنفيذ الشقّ المتعلّق بممرّ «زينغيزور»، أبرز نتائج الحرب الإسرائيلية – الإيرانية. صحيفة «ديني مساوات» الآذربيجانية رأت أن الخوف يسيطر على أرمينيا من إمكانية شقّ الممر، وأن «إيران التي عملت بنشاط لمنع تنفيذه، تفقد الآن فرصة التأثير على مجريات الأحداث، وقدرتها على الصمود في مواجهة ضغوط آذربيجان وتركيا تضعف بشكل كبير».

الصحيفة اعتبرت أيضاً أن «التأثير الروسي في المنطقة يتراجع نتيجة انشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا، وهو ما يخلق فراغاً أمنيّاً في القوقاز الجنوبي». وأضافت إنّ «تركيا وآذربيجان ستحاولان استغلال التوتّر الحالي من أجل الدفع بفتح ممرّ ينغيزور. وهذا سيغيّر الخريطة الجيوسياسية للمنطقة ويُضعف أرمينيا كما إيران، مع أنّ إضعاف الأخيرة لن يكون فوريّاً بل تدريجيّاً».

الصحافة الأذربيجانية نسبت إلى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أنه كان أعلن أنّ إيران تتحمّل مسؤولية منع فتح ممرّ «زينغيزور». كما نسبت إلى وزير الخارجية الآذربيجاني السابق، توفيق ذو الفقاروف، قوله إنّ «اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران أمر سيّئ في المبدأ، ولكنه خبر سار لممرّ زينغيزور». مساعد الرئيس الآذربيجاني، حكمت حاجييف، قال: «قبل كلّ شيء، نريد ربطاً بين آذربيجان ونخجوان. حُرمنا من هذه الفرصة لثلاثين عاماً. بعد الربط، ستنفتح فرص أخرى لأرمينيا. ونريد للأخيرة أن تكون جزءاً من شبكة النقل الإقليمي».

ليس معروفاً ما إذا كان رئيس الوزراء الأرميني، بعد زيارته إلى إسطنبول ولقائه إردوغان، سيتراجع عن معارضته فتح الممرّ، ويسقط في مستنقع التهويل بضعف إيران. لكنّ افتراض باكو، ومعها أنقرة، أنّ موقع طهران الإقليمي في تراجع بعد الهجمات الإسرائيلية والغربية عليها، سيزيد من ضغطهما على يريفان.

تصوير الممر على أنه ليس حاجة إقليمية فقط، بل ضرورة للعلاقات الدولية أيضاً، يزيد من هذه الضغوط. الباحثة الآذربيجانية، نرمين حسنوفا، تقول إنّ «دور القوى العالمية والمنظمات الدولية سيكون مهمّاً لاستقرار منطقة جنوب القواز وازدهارها كما للتجارة العالمية وسياسات الطاقة والتعاون الإقليمي. وبالتالي، على هذه القوى أن تؤدّي دوراً أكبر في فتح الممرّ وتطويره».

مشاركة المقال: