مع انتهاء الحرب على إيران، حولت إسرائيل تركيزها مجدداً نحو قطاع غزة، الذي عاد ليحتل صدارة اهتمامات الحكومة الإسرائيلية. واتفق وزراء الاحتلال على مواصلة الحرب حتى تحقيق الأهداف المعلنة، وعلى رأسها القضاء على حركة «حماس» واستعادة الأسرى، سواء الأحياء أو الأموات.
وتجلت هذه التوجهات في التصعيد الميداني المصحوب بـ«الإنجازات»، بالتوازي مع تعطيل مساعي التوصل إلى صفقة تبادل أسرى تنهي الحرب. وعلى الرغم من تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن قرب سماع «أخبار جيدة حول غزة»، والأجواء الإيجابية التي بثها الوسيط غير الرسمي، بشارة بحبح، حول قرب الانتهاء من معظم النقاط العالقة، أكدت «هيئة البث الإسرائيلية» أنه «لن يتم إرسال وفد التفاوض إلى الدوحة، لأن الفجوات لا تزال كبيرة، والخلافات حول شروط إنهاء الحرب معقدة». وأعلن رئيس أركان الجيش، إيال زامير، أن «القتال في غزة سيستمر حتى تحقيق كل الأهداف».
ميدانياً، تصاعدت وتيرة القصف، خاصة من الطائرات الحربية. وشهد اليومان الماضيان قصف وتدمير العشرات من المنازل، تحديداً في مدينة جباليا شمال القطاع ومدينة خانيونس جنوبه. كما لوحظ حضور مكثف للطائرات المسيرة بعد غياب نسبي، حيث نفذت العشرات من الاستهدافات التي طالت تجمعات المواطنين وخيامهم.
وبعد استشهاد 84 مواطناً، بينهم نحو 60 كانوا ينتظرون المساعدات على شارع الرشيد ومراكز التوزيع الأمريكية، استشهد 7 أفراد من عائلة الدحدوح في قصف استهدف منزلهم في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، و10 آخرون من عائلة قزعاط في قصف منزلهم في حي الصبرة جنوب المدينة.
كما أغارت الطائرات الحربية على منزلين لعائلتي نصر والدادا في جباليا البلد، ما تسبب في مجزرة بحق السكان. واستشهد 4 مواطنين من عائلة سلمان جراء استهداف منزلهم في مدينة دير البلح وسط القطاع، و5 مواطنين في قصف منزلهم في محيط مجمع أنصار جنوب مدينة غزة، و9 مواطنين من عائلة أبو عجوة في استهداف منزلهم شرق المدينة.
ودمرت الطائرات الحربية أيضاً منزلاً لعائلة التلمس في حي الكرامة شمال غرب المدينة، ما تسبب في استشهاد عائلة مكونة من 5 أفراد. وشهد أمس أيضاً مجزرة بحق منتظري المساعدات، حيث سجلت المصادر الطبية استشهاد 14 مواطناً قرب مركز توزيع المساعدات الأميركية في منطقة نتساريم وسط القطاع.
في المقابل، شهدت الأيام الثلاثة الماضية تصعيداً كبيراً في عمليات المقاومة. وتمكنت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، وعلى رأسها «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، من تنفيذ عشرات الكمائن والمهام القتالية المؤثرة، التي أوقعت خسائر بشرية كبيرة في صفوف جنود الاحتلال. وأهم هذه الكمائن، نفذه مقاومو «كتائب القسام»، في الوقت الذي كان فيه رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يتباهى بتحقيق إنجازات في الحرب على إيران.
وقالت الكتائب إن أحد عناصرها تمكن من تدمير ناقلة جنود من نوع «بوما» بعبوة ناسفة من نوع «شواظ» داخل قمرة القيادة، ما أدى إلى احتراقها ومقتل جميع أفراد طاقمها، قبل أن يستهدف المقاومون ناقلة جنود أخرى بـ«عبوة العمل الفدائي» بالقرب من مسجد الإمام علي بن أبي طالب في منطقة معن جنوب مدينة خانيونس.
جيش الاحتلال يعترف بمقتل 7 جنود وجرح 17 في كمين في غزة. وذكرت مصادر عبرية أن «وحدات الإنقاذ فشلت في محاولة إخماد النيران التي اندلعت في الناقلة بسبب قرب المقاومين من المكان، والخشية من تكرار الهجوم، ما دفعها إلى سحب الناقلة وهي مشتعلة إلى شارع صلاح الدين شرقاً، بينما أجساد الجنود تتفحم». وكان جيش العدو اعترف بمقتل 7 من جنوده وإصابة 17 آخرين بجروح متفاوتة، في الكمين.
وزاد توثيق «القسام» للمهمة ونشر مقطع مصور لها، من تأزم المشهد المعنوي في أوساط مجتمع الجيش والإعلام العبريين. وعلق نوعم أمير، من «القناة 14»، على المقطع بقوله: «يجب على رئيس الأركان الاتصال بقائد الفرقة 36 وإرساله إلى المنزل». ورأى ضابط كبير في جيش الاحتلال أن «ما تم توثيقه مخز ولا يشرف الجيش الإسرائيلي. هذا أقل ما يمكن قوله. وكان من المفترض بقائد القوة أن يدهس المسلحين وفقاً للتعليمات العسكرية، إذا كانوا على مسافة قريبة، أو على الأقل يفتح النار عليهم باستخدام الرشاش المثبت على المدرعة». أما موريا أسراف من «القناة 13»، فقد ربطت الكمين بما نشره «الإعلام العسكري» التابع للكتائب قبل أسبوع ونصف أسبوع، حيث ظهر أحد المقاتلين وهو يلاحق ناقلة جند بسلاح فردي ويحاول فتح بوابتها من الخارج، قبل أن تعمد الناقلة إلى الهروب.
كذلك، أعلنت «كتائب القسام» تنفيذ كمين مركب استهدف فيه المقاومون قوة صهيونية تحصنت داخل منزل بقذيفة من نوع «الياسين 105»، وأخرى من نوع «آر بي جي» في منطقة الترخيص جنوب مدينة خانيونس، ما تسبب بوقوع أفراد القوة بين قتيل وجريح. وتحدثت أيضاً عن استهداف دبابة «ميركافا» بعبوة «شواظ» وقذيفة «الياسين 105» في المنطقة نفسها. كما ذكرت أن مقاوميها فجروا جرافة عسكرية من نوع «دي ناين» بعبوة «شواظ» معدة مسبقاً، مضيفة أن النيران اشتعلت في الجرافة لمدة ساعة، وحينما تقدمت جرافة أخرى للإنقاذ تم استهدافها بقذيفة «الياسين 105» في منطقة التوحيد جنوب خانيونس.
وفي خانيونس أيضاً، أعلنت «سرايا القدس» تمكن مقاوميها من تنفيذ استحكام مدفعي بوابل من قذائف الهاون، استهدف تجمعات الجنود داخل محاضن الآليات في محيط صالة المهند وشارع البداو في منطقة السطر الغربي، ما استدعى تغطية جوية ومدفعية لنقل الجرحى والقتلى من جيش العدو. وأكدت «سرايا القدس» أن مقاوميها استطاعوا تدمير آلية عسكرية متوغلة في منطقة الترخيص القديم جنوب المدينة، بتفجير عبوة برميلية شديدة الانفجار.
كذلك، أبلغ «الإعلام الحربي» التابع للسرايا عن تفجير مقاوميه آلية عسكرية من نوع «ميركافا» في منطقة عبسان الكبيرة شرق خانيونس. وكانت أعلنت، قبل يومين، استهداف مقاوميها منازل في خانيونس يتحصن فيها جنود الاحتلال، بصواريخ موجهة من نوع «فاغوت» و«مليوتكا». ووزعت أيضاً مشاهد لقنص جندي على تلة المنطار شرق مدينة غزة.
هذه الأحداث الميدانية المتلاحقة والمكلفة بشرياً، وقعت جميعها في مناطق عمل فيها جيش الاحتلال طويلاً، وزعم عدة مرات أنه استطاع تدمير كتائب المقاومة فيها، وهو ما يؤكد قدرة الأخيرة المستمرة على إعادة بناء خلاياها، وتوظيف ما يتوفر من إمكانات في تنفيذ عمليات مكلفة بشرياً، بتكتيك قتالي يعتمد كلياً على فهم سلوك العدو وتوقع خطواته، إلى جانب ما يمتلكه المقاومون من بسالة واستعداد للتضحية.