تشهد الأسواق العقارية في ريف إدلب، وخاصة في المناطق التي استعادها أصحابها بعد سنوات من سيطرة النظام، ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار العقارات والأراضي. ويأتي هذا الارتفاع وسط غياب أي مرجعيات تنظيمية ورقابية، واستغلال واضح لحاجة السكان العائدين لترميم منازلهم المتضررة.
يقول حازم باريش، صاحب مكتب عقاري في ريف إدلب، لـ "اقتصاد"، إن معظم الأهالي الذين عادوا إلى مناطقهم بعد تهجير استمر لسنوات، وجدوا منازلهم مهدّمة أو غير صالحة للسكن. هذا الأمر دفع الغالبية إلى بيع جزء من ممتلكاتهم العقارية أو أراضيهم لتأمين السيولة اللازمة لترميم البيوت.
ويضيف باريش أن نسبة تصل إلى 80% من الناس تتواصل مع المكاتب العقارية لبيع أجزاء من عقاراتهم، وذلك بسبب عدم قدرتهم على الاستدانة أو تحصيل قروض، خاصة بعد أن استنفدت رحلة النزوح لسنوات طويلة جميع مدخراتهم. ويشير إلى أن قسماً كبيراً من سكان هذه المناطق يعتمدون على مهنة الزراعة، وكانوا غير قادرين على الوصول إلى أراضيهم في ظل سيطرة النظام عليها. ويوضح باريش قائلاً: "الناس عم يبيعوا قطعة من أرضهم ليقدروا يعمّروا بيوتهم".
ويشير باريش إلى أن هذه الضرورة انعكست على سلوك البائعين والمشترين، موضحاً: "اليوم كل واحد عم يطلب سعر عالي لأنه بده يرمم بيتو بهالسعر. السوق فوضى، ما في مرجعية تحدد القيمة الحقيقية، وأحياناً بيصير بيع بسعر مرتفع بمكان ما، فبتصير التجربة تُعمم ويظن الناس إنه هاد السعر الطبيعي".
ويضيف أن بعض المشترين يدفعون أسعاراً مرتفعة جداً، قد تصل إلى 500 دولار للمتر، رغم أن العقار لا يساوي هذا الرقم حالياً: "المستثمر عم يدفع باعتبار إنو القيمة رح ترتفع لاحقاً، مو لأنو العقار هلأ فعلاً بيستحق هالمبلغ".
من جهة أخرى، يقول ليث المحمد، أحد سكان ريف إدلب العائدين مؤخراً إلى مدينته بريف معرة النعمان، إن موجة الغلاء ناتجة جزئياً عن تجربة النزوح القاسية. ويوضح: "الناس كانت تدفع أجارات عالية خلال النزوح، ولما رجعت صارت تطلب أضعاف بقيمة عقاراتها، كنوع من التعويض النفسي والمادي، بس النتيجة فوضى بالسوق، وفي ناس عم تستغل ظروف بعضهم وبتشتري بأقل الأسعار".
وتُسجّل المناطق القريبة من سراقب اهتماماً استثنائياً في السوق، بحسب العاملين في المجال العقاري، لا سيما مع الحديث المتداول عن افتتاح منطقة حرة قريبة، ومع موقع المدينة على الطريق الدولي، ما يشجع المستثمرين على الشراء والبناء مبكراً قبل موجة ارتفاع محتملة.
ويرى أصحاب المكاتب العقارية أن أي قرار حكومي أو تحرك إداري ينعكس مباشرة على الأسعار، مؤكدين أن الأسعار الحالية لا تعبّر عن القيمة الحقيقية للعقار، بل عن مزيج من الضغط الاقتصادي، والاستغلال، وتوقعات مستقبلية مبالغ فيها.
وتبقى الحاجة هي من يحدد السعر، وليس السوق أو القيمة الواقعية، في انتظار تنظيم رسمي يضبط إيقاع التلاعب ويضع حداً لفوضى البيع والشراء.
(الصورة المرفقة من سراقب بريف إدلب)