في ظل التحديات غير المسبوقة التي يواجهها الاقتصاد العالمي نتيجة لتصاعد الأزمات الجيوسياسية والتوترات الإقليمية، تبرز صناعة النقل البحري كأحد أكثر القطاعات تضرراً، وذلك لدورها الحيوي في استقرار سلاسل الإمداد العالمية.
ومع استمرار الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بين إسرائيل وإيران، تتزايد المخاوف من تأثيرات مباشرة على الممرات البحرية الحيوية، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مما ينذر بأعباء اقتصادية إضافية على الدول والشركات والمستهلكين على حد سواء.
في هذا السياق، صرح الدكتور الربان هشام هلال، أمين عام الاتحاد الدولي لجمعيات الملاحة لـ"النهار"، بأن الملاحة العالمية تواجه تحديات متزايدة قد تعيد رسم خريطة التجارة الدولية.
وأكد هلال أن شركات الشحن البحري تعيش حالة من الترقب والحذر، وسط مخاطر أمنية محتملة في الموانئ والممرات، وتداعيات متوقعة على أسعار السلع، مشيراً إلى أن استقرار سلاسل التوريد يحتاج إلى مزيد من الوقت.
في ما يأتي نص الحوار:
كيف ترى التأثير المتوقع لاتفاق وقف القتال بين إيران وإسرائيل على الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد، خاصة في دول المنطقة؟
على الرغم من التوصل إلى اتفاق لوقف القتال، فإن الوضع لا يزال متوتراً وقابلاً للتصعيد في أي لحظة، مما يجعل شركات الملاحة وسلاسل الإمداد في حالة حذر دائم.
فالمخاوف من إعادة اندلاع المواجهات تؤثر مباشرة على تأمين السفن العابرة في المنطقة، وترفع من تكاليف التأمين والنقل، وبالتالي، فإن حالة الترقب ستستمر لبعض الوقت، خصوصاً في ظل الأوضاع المعقدة في غزة واليمن.
وبصورة عامة أسعار النفط مرشحة للارتفاع، مما سينعكس على كلفة النقل البحري، وبالتالي على الأسعار النهائية للسلع عالمياً، لذا فإن التعافي الكامل والاستقرار في سلاسل التوريد يحتاج إلى عدة أشهر، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تبقى منطقة حساسة من حيث التأثير في التجارة العالمية.
ما أبرز التحديات التي تواجه صناعة الملاحة عالمياً في المرحلة الراهنة؟
صناعة النقل البحري تواجه تحديات متعددة، بعضها ناتج عن تطورات تنظيمية وأخرى عن ظروف جيوسياسية.
أولاً، هناك تشدد متزايد من المنظمة البحرية الدولية في تطبيق المعايير البيئية، وخصوصاً فيما يتعلق بخفض انبعاثات السفن، وعلى الرغم من وجاهة هذه المعايير، فإن الدول المنتجة الكبرى لا تلتزم بها دائماً، بينما يتم تطبيقها بصرامة على السفن التجارية، مما يرفع التكلفة النهائية للنقل.
كذلك، فإن الاتجاه نحو السفن ذاتية القيادة يفتح آفاقاً جديدة، لكنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلات حول التأمين والسلامة والتشغيل، وهي أمور لم تُحسم بعد، وبالطبع، التوترات الجيوسياسية تظل العامل الأكثر تأثيراً، سواء من حيث المخاطر الأمنية أو ارتفاع كلفة التأمين، ما ينعكس في النهاية على المستهلك.
حدثنا عن الاتحاد الدولي لجمعيات الملاحة، وتاريخه ودوره وأهدافه؟
الاتحاد تأسس عام 1978، أي منذ نحو 46 عاماً، وكان في بدايته يضم ثلاث جمعيات من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، واليوم يضم نحو 30 جمعية من 30 دولة مختلفة.
ويختص الاتحاد بتطوير قطاع الملاحة، سواء التقليدية أو عبر الأقمار الصناعية، ويُعد جهة علمية واستشارية تساهم في صياغة المعايير الدولية، كما يشارك في عدد من المعاهدات المتعلقة بالملاحة البحرية.
كما يعتبر الاتحاد تابع للمنظمة البحرية الدولية، وله شراكات دولية متقدمة، ويُعد منصة للتنسيق وتبادل الخبرات، وتشارك مصر في الاتحاد منذ عام 1979، من خلال الجمعية العربية للملاحة، وهي من الأعضاء المؤسسين.
كيف يساهم الاتحاد في تخفيف التداعيات السلبية على التجارة البحرية؟ وما هي أبرز جهوده خلال المرحلة الراهنة؟
الاتحاد يعمل على أكثر من محور، حالياً نجري دراسة موسعة بالتعاون مع المنظمة البحرية الدولية، تهدف إلى وضع معايير تنظيمية للسفن ذاتية القيادة، ونأمل الانتهاء منها خلال عامين.
كما ينظم الاتحاد مؤتمراً دولياً كل ثلاث سنوات، المقبلة ستكون في بولندا عام 2027، تليها مصر في 2030.
ويعتبر هدفنا الأساسي هو التنسيق العلمي والتقني بين جمعيات الملاحة وتعزيز استجاباتها للأزمات والتغيرات، كما نسعى إلى بناء كوادر بشرية مؤهلة عبر برامج تدريبية تخصصية، وربط أعضائنا بأفضل الممارسات العالمية.
ما التداعيات المحتملة على صناعة النقل البحري في حال تجدد الصراع بين إسرائيل وإيران أو أي صراع في الشرق الأوسط؟
أي تصعيد عسكري في المنطقة سيترك أثراً بالغاً على الملاحة البحرية، فالممرات الحيوية قد تتعرض للشلل، وهو ما يعطل حركة التجارة.
كما أن زيادة المخاطر ستنعكس على التأمين، وعلى أسعار الشحن، وستؤدي إلى ارتفاع كلفة السلع عالمياً، بالإضافة إلى إضعاف الصراعات الاستثمار في البنى التحتية البحرية، وتُهدد أمن الطواقم، بل وحتى الأمن البحري الإقليمي.
وترتبط صناعة النقل البحري ارتباطاً عضوياً بالاستقرار السياسي، وأي خلل في هذا الاستقرار يُعيد رسم خارطة التجارة العالمية.