الثلاثاء, 1 يوليو 2025 02:15 AM

تزايد المخاوف لدى المسيحيين في سوريا بعد تفجير كنيسة مار إلياس: نظرة على التحديات والحلول

تزايد المخاوف لدى المسيحيين في سوريا بعد تفجير كنيسة مار إلياس: نظرة على التحديات والحلول

عنب بلدي – دمشق: تصاعدت مخاوف المسيحيين في سوريا عقب التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة "مار إلياس" في منطقة دويلعة بدمشق. وقع الهجوم في 22 حزيران، أثناء الصلوات الأسبوعية التي تقيمها الديانة المسيحية، بحضور حوالي 200 شخص، وأسفر عن مقتل أكثر من 27 شخصًا وإصابة 63 آخرين.

لم يقتصر تأثير التفجير على الضحايا والجرحى، بل أثار موجة قلق واسعة بين المسيحيين، خاصةً المقيمين في مناطق دمشق الشرقية، حيث تتركز كنائس عديدة في أحياء ذات أغلبية مسيحية.

مخاوف مرتبطة بالوضع الأمني

ظل الملف الأمني في صدارة الأولويات منذ بداية الأحداث في سوريا، ولا يزال يشكل التحدي الأكبر أمام الحكومة، خاصةً فيما يتعلق بقدرتها على فرض الأمن وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية. وقد تعرضت بعض الأقليات في سوريا لحوادث فردية أو انتهاكات متكررة، بدءًا من أحداث الساحل السوري، مرورًا بأحداث السويداء وصحنايا وجرمانا، وصولًا إلى تفجير كنيسة "مار إلياس".

إبراهيم شلش، المقيم في منطقة الدويلعة، صرح لعنب بلدي بأن تفجير الكنيسة زاد من مخاوف المسيحيين من التعرض للمزيد من الانتهاكات والتفجيرات والاعتداء على مقدساتهم الدينية. وأوضح أنه على الرغم من حالة الاطمئنان التي شعر بها المسيحيون خلال عيدي الميلاد والفصح الماضيين، بفضل الانتشار الأمني حول الكنائس والسماح لهم بممارسة طقوسهم الدينية، إلا أن التفجير زرع الخوف في قلوبهم.

بسام الخوري، وهو أيضًا من سكان الدويلعة، يرى أن على الحكومة الحالية توفير الحماية الكاملة للمقامات والمقدسات الدينية، سواء كانت مساجد أو كنائس، لمنع تكرار هذه الحوادث وضبط الحالات الفردية، بهدف نزع فتيل الطائفية وتحقيق الاستقرار الأمني. وأضاف: "أنا كمواطن سوري، يجب على الحكومة أن تؤمن لي الحماية الكاملة. لا يجوز لأي مكون سوري أن يعيش في خوف بسبب دينه أو طائفته، فجميعنا متساوون تحت سقف الوطن والقانون".

استغلال ملف الأقليات

مؤيد حبيب، المدير التنفيذي لمركز "مقاربات للتنمية السياسية"، قال لعنب بلدي إن هناك جهات تخريبية وخارجة عن القانون، بما فيها تنظيم "الدولة الإسلامية"، تعمل منذ بداية الأحداث على استغلال ملف الأقليات في سوريا واستهداف الطوائف بشكل مباشر، كما حدث سابقًا مع العلويين والدروز، والآن مع المسيحيين، بهدف إشعال الفتنة في سوريا. وأشار إلى أنه لا يمكن لأي دولة منع التفجيرات إذا كانت مُخططة بإحكام، وأن هذه التفجيرات حدثت في السابق في دول أوروبية وعربية.

وأوضح حبيب أن تفجير الكنيسة يعكس خللًا أمنيًا تتحمله الحكومة الحالية جزئيًا، بسبب عدم ترتيب بعض الملفات، بما فيها القوانين. ويرى أن أي طائفة تشعر بالضعف والظلم ستنغلق على نفسها، وستتعالى الأصوات والإشاعات التي تخيفها، مثل الفكر "الداعشي" والمؤدلج، معتبرًا أن مخاوف المسيحيين مبررة بعد التفجير، لأن أي جماعة تشعر بالخطر ستتقوقع على نفسها. واعتبر أن "الفكر الداعشي" يمثل أداة تستخدمها دول وجهات لتنفيذ أجندات داخل سوريا، وأن تفجير كنيسة "مار إلياس" يعتبر تحريضًا طائفيًا ضد المكون المسيحي، الذي يعد مكونًا أصيلًا في سوريا. وأضاف: "المكون المسيحي، منذ بداية الأحداث، لم يمارس أي أعمال فوضوية، بل كان شريكًا في بناء الوطن ووضع سياسة الدولة، ومندمجًا في وزارات الحكومة، لذا عمل تنظيم (الدولة الإسلامية) وغيره على استهداف هذا المكون".

من وجهة نظر الباحث والمحلل السياسي أحمد حمادي، هناك أيادٍ خارجية تعمل على الإساءة إلى الوضع الأمني في سوريا، سواء "التنظيم" أو فلول النظام أو دول تضررت مصالحها في سوريا وتسعى إلى إثارة الفتن. وأوضح أن هناك جهات تسعى إلى تصوير تفجير الكنيسة على أنه دليل على أن نظام الأسد كان يحمي الأقليات، بمن فيهم المسيحيون، ولكن ما حدث في الكنيسة شهدناه سابقًا في الجوامع أيضًا بسبب ممارسات تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يعتبر خارجًا عن إرادة الحكومة الحالية.

لوم وتصعيد

حمّل بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر يازجي، الحكومة السورية مسؤولية التفجير الانتحاري، خلال كلمة ألقاها في أثناء تشييع الضحايا، مشيرًا إلى أن من مهام الحكومة معرفة المسؤول عن هذه العملية ومن يقف وراءها. وأشار إلى أن ما يطلبه المواطنون الآن من الحكومة الحالية هو الأمان والسلام وتأمين الحماية لجميع المواطنين السوريين على الأراضي السورية، دون أي استثناء أو تمييز.

كما قال الأب ملاتيوس شطاحي، لعنب بلدي، إنه منذ بداية الأحداث واجه عدد من المسيحيين تصرفات فردية بحقهم، وتنصلت الحكومة الحالية من هذه التصرفات ولم تؤمّن الحماية لهم، على حد تعبيره. واعتبر أن هذه التصرفات الفردية باتت تعطي انطباعًا أنها تصرفات مؤسساتية وليست فردية فقط، وحمّل الحكومة الحالية مسؤولية تأمين الحماية لمواطنيها.

المحلل السياسي أحمد حمادي، قال إن موقف الحكومة السورية حيال التفجير، سواء من وزراء الحكومة أو محافظ دمشق أو إدارة الأمن العام، هو الاهتمام المباشر، واعتبرت الحكومة أن ما حدث هو حالة وطنية، ولا يوجد فرق بين مسيحي ومسلم، فالمصيبة جمعت الجميع. ولا يعتقد حمادي أن هناك مبررًا لتخوف المسيحيين لأن الحكومة الآن ليست محصورة بدين أو طائفة أو عرق، بل تمثل كل السوريين، على حد تعبيره.

ويرى المدير التنفيذي لمركز "مقاربات للتنمية السياسية"، مؤيد حبيب، في موضوع سيارات الدعوة الدينية التي كانت تتجول في أحياء مسيحية بما فيها منطقة دويلعة، أنها أثارت المخاوف وهي خطأ كبير ولكن الجهات المعنية أوقفتها، وسجن على إثرها عدد من المشايخ المسؤولين عن هذه السيارات. وأشار حبيب إلى أن المسؤولين عن فكر الدعوة الدينية موجودون ليس فقط في سوريا بل بالأردن والسعودية وحتى في بريطانيا، ولكن في سوريا لحساسية الموقف، رأت الحكومة خللًا في تسيير هذه السيارات، وبالتالي منعتها من التجول، مستبعدًا أن تكون لهم علاقة في حادثة الكنيسة.

وفيما يخص الحالات الفردية، لفت حبيب إلى أنها كثرت في الأشهر الأولى منذ بداية الأحداث، لأن الحكومة كانت في حالة فوضى، أما الآن فصار هناك دور لافت لوزارة الداخلية، وأصبح المواطن قادرًا على تقديم شكاوى للجهات المعنية حتى لو كان ضد الأمن العام نفسه.

ما المطلوب من الحكومة

مدير مركز "مقاربات"، مؤيد حبيب، أوضح أن على قوى الأمن الداخلي تأمين حماية لجميع دور العبادة سواء كانت مساجد أو كنائس أو مقامات أو أديرة، وخاصة في فترة المرحلة الانتقالية. واعتبر حبيب أن الحكومة الحالية لا تستطيع أن تعمل لوحدها في تعزيز حالة الاطمئنان عند مواطنيها، لأنها ما زالت غارقة في مشكلات تأسيس الدولة التي ورثتها عن نظام سابق منهار. لذا تحتاج إلى تضافر جهود منظمات المجتمع المدني التي يجب أن يكون لها دور فعال، وعلى الحكومة أن تقدم التسهيلات، لأن لدينا الكثير من المنظمات قادرة على إزالة هذه المخاوف، مثل منظمة "متحدون ضد العنصرية والطائفية"، وهي منظمة فكرية ثقافية عالمية ذات نشاطات عملية متنوعة وتضم شخصيات من مختلف الاختصاصات والخلفيات العلمية والعملية من الفاعلين في الرأي العام، والمهتمين بتأكيد الانتماءات الوطنية والإنسانية وقيم نبذ التعصب الطائفي في المنطقة وحول العالم. إضافة إلى منظمات أخرى تقدم برامج ومحاضرات توعوية وتشاركية بين الطوائف، وهذا يجب أن يعول عليه في الفترة الانتقالية، بحسب حبيب.

وإضافة إلى ذلك، قال المحل السياسي أحمد حمادي، إن على الحكومة بسط الأمن وتعزيز قوته، ومحاسبة العصاة ومنتهكي القانون، ليتم حفظ الأمن للجميع، لأنه لا يوجد اليوم أمن خاص للمسيحيين أو المسلمين، فالأمن هو لكل السوريين، ويجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع.

مشاركة المقال: