نشر موقع "درج" تحقيقاً استقصائياً يوم الاثنين، يشير إلى أن شركتي الاتصالات الرئيسيتين في سوريا، "سيرياتيل" و"إم تي إن"، قد تتعرضان لمحاولات استحواذ من قبل شركات "جديدة"، في سيناريو مشابه لما كان يحدث في السنوات الأخيرة من حكم بشار الأسد.
يبدأ التحقيق باستعراض كيفية قيام نظام الأسد بتأسيس قطاع اتصالات يتجاوز مفهوم "الاتصالات"، حيث تم تسخيره لخدمة سياساته الأمنية وروايته، وتحالفاته بهدف الالتفاف على العقوبات.
ويذكر معدّو التحقيق أنه "أياً كانت الجهة التي سترث القطاع المسؤول عن توليد ما لا يقل عن 12 في المئة من عائدات الدولة، فإنها ستواجه منظومة معقدة من التحالفات وأموال الظل التي يصعب فهمها قبل الحديث عن التخلي عنها".
ويوضح تحقيق "درج" خلفية المشهد في هذا القطاع، مشيراً إلى أنه بعد الخلاف الذي بدأ عام 2018 بين القصر الجمهوري ورامي مخلوف، والذي انتهى بحصول "القصر" على شركتي سيريا تيل وإم تي إن سيريا، وظهور مخلوف كناسك يحذر من "النزائل"، وجد مستشارو القصر، ممثلين بمنصور عزام ويسار إبراهيم (المدرج على قائمة العقوبات منذ عام 2021)، حاجة إلى أسماء جديدة تهيمن على القطاع بعد السمعة السيئة التي اكتسبها المشغلان الأساسيان.
و"تأسست في الوقت نفسه مجموعة من الشركات الأصغر –كجزء من كوكبة شركات يسار إبراهيم التي تدعى (الجروب)– لامتصاص قطاع الاتصالات، فولدت شركات مثل البرج للاستثمار، البرج الذهبي، أوبال بلانيت، وسبيس تيل. والتي أصبحت المورّد الحصري لمُشغّلي الاتصالات سيريا تيل وإم تي إن في ما يتعلق بأبراج الاتصالات وصيانتها، وقطع الغيار، والمعدات التقنية، والدعم الفني والتطوير، من خلال عقود إذعانٍ لا يمكن للمشغلَّين توقيع غيرها، ويحرمهما من أداء تلك المهام داخلياً".
ويضيف التحقيق: "استُخدمت هذه الشركات لسنوات كبوابة لتوقيع عقود تسمح بدخول مستثمرين من دول خليجية شكّلوا لاحقاً شريان حياة للنظام، الذي جفَّت الكثير من مواره المالية، بحسب بيانات واجتماعات اطَّلع (درج) على محاضرها".
ووفقاً للتحقيق، توزعت ملكيات تلك الشركات بين يسار إبراهيم، ويده اليمنى أحمد خليل، وباسل منصور، وجميعهم شخصيات تدور في فلك الأسد وتخضع للعقوبات الأمريكية والأوروبية، كما أن أحمد خليل كان المفوض القانوني الوحيد بتحريك الأموال من تلك الحسابات وإليها بحسب ما صرح لـ "درج" معاوِناه اللذان رفضا الكشف عن هويتهما.
وبعد عمليات الاستحواذ هذه، أُعلن عن المشغل الثالث لشركات الخليوي في سوريا عام 2021، وتمثل بشركة "وفاتيل" التي يمتلك حصة وازنة منها يسار ابراهيم، إذ أعلنت أنها ستعمل في سوريا، وتبين لاحقاً أنها على علاقة وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني، وتأخر تشغيلها مراراً.
وبحسب وثائق اطلع عليها "درج" من إدارة المخابرات العامة تعود إلى تاريخ 2023، تبين وجود شركة روسية (Portel)، ستزود وفاتيل بمعدات وتجهيزات فنيّة، وسيتم توقيع العقود في سانت بطرسبورغ في روسيا.
ويتحدث تحقيق "درج" عن مرحلة سقوط نظام الأسد، مشيراً إلى أنه "خيّم شبح النجاة الفردية على أسياد المال في سوريا مع انطلاق عملية ردع العدوان، فهرب الأسد إلى حميميم ومنها إلى موسكو، فيما اختفى منصور عزام، وساعد الإماراتيون أحمد خليل على الخروج بما يستطيع حمله من وثائق وأجهزة حاسوب ونصف مليون دولار نقداً، ولم يصل يسار إبراهيم إلى أبو ظبي حتى 11 كانون الأول/ ديسمبر، وبقيت الإمبراطورية".
ويضيف تحقيق "درج": "لم يكن من الواضح حينها ما الذي ستفعله هيئة تحرير الشام (قبل حلّها) بمئات الشركات التي تركها الأسد وعُصبته وراءهم، لكن اتضح بعد وقت قصير أنه سيتم تغليب التسامح ومحاولة الحصول على أكبر حصة ممكنة على المحاسبة".
ويتابع التحقيق: "تسلَّمت إدارة أحمد الشرع البلاد بخزينة شبه فارغة واقتصادٍ متعفن وعلاقات تجارية متهالكة. أضيفت إلى ذلك بيروقراطية نظام الأسد المفرطة التي صعَّبت مهام تحريك الأموال ونقل الأصول".
وللتغلُّب على معضلة تحريك الأموال من حسابات تلك الشركات وتجفيفها، وفي ظل مكوث الشخص المخول بتحريكها في أبو ظبي، لم يُترك سوى خيار إرسال وزير اتصالات حكومة تسيير الأعمال في آذار/ مارس، كتاباً اطلع عليه "درج"، طلبت فيه وزارة الاتصالات من البنك المركزي، السماح بتحريك الأموال من الحسابات البنكية التي تعود إلى "الجروب"، أي شركات يسار ابراهيم. الكتاب لم ينشر علناً، واطلع عليه "درج" ضمن مراسلات خاصة من أحد البنوك في دمشق التي تحوي عدداً من تلك الحسابات.
وينقل "درج" عن عدد من موظفي البرج والبرج الذهبي وأوبال، أن الشركات توقفت لبضعة أيام بعد سقوط النظام ثم تابعت عملها كالمعتاد من مقرها في حي المزة، فيما تم الحفاظ على أصول الشركات وسياراتها وعقود موظفيها القديمة، لكنها باتت تعمل جميعاً تحت اسم كيانٍ جديد يدعى "شركة المجتهد التقنية".
وبحسب وثيقة التسجيل الخاصة بالشركة التي حصل عليها "درج"، فإن الشركة المسجلة وفق الحد الأدنى من رأس المال المسموح به (50 مليون ليرة سورية)، ستعمل على "إنشاء وصيانة محطات الاتصالات السلكية واللاسلكية والرادارات، وتركيب وتمديد شبكات الحاسوب والاتصالات، بما في ذلك الألياف الضوئية وكابلات الاتصالات".
ويشير تحقيق "درج" إلى أن "شركة المجتهد التقنية" مسجلّة بأسماء شخصيات غير معروفة، ولا أثر لها عند البحث في المصادر المفتوحة، ناهيك بالاختصاصات الواسعة لهذه الشركة، كـ "أعمال وديكورات الجبصين والدهان والطلاء" و"البيع بالجملة للأثاث المنزلي والموبيليا".
مسؤول كبير في شركة إم تي إن سيريا، رفض التصريح عن هويته، يقول لـ "درج" إن الشركة اليوم "تحاول إظهار مقاومة أعلى ضد العقود مع شركة المجتهد"، آملاً بألا يتكرر سيناريو شركة البرج ويضطر لإبرامها تحت الضغوطات والتهديدات، كما كان يحدث في عهد النظام البائد.
وينقل "درج" عن مصادر مُطلعة على الملف الاقتصادي في الإدارة الجديدة، الخاص بانتقال ملكية شركات الاتصالات في سوريا، ما يفيد بأن جانباً من عائدات شركة المجتهد الجديدة استُخدم لدفع رواتب وزارة الداخلية، المُستثناة إلى جانب وزارة الدفاع من المنحة القطرية-السعودية لتمويل رواتب القطاع العام السوري لثلاثة أشهر.
ويختتم تحقيق "درج" بالقول: "ما زالت السياسة الاقتصادية الخاصة بالإدارة الجديدة في سوريا غامضة، خصوصاً مع عودة أسماء مثل محمد حمشو وفادي صقر إلى الواجهة، في حين لم يكشف البنك المركزي في سوريا إلى الآن عن حسابات الشركات العائدة الى النظام البائد والمقربين منه، والتي تم تجميدها في كانون الثاني/ يناير، ولم يعلن عن إجراء رسمي بحق أي من تلك الشركات، سواء على مستوى العدالة الانتقالية أو أسلوب التشغيل بعد سقوط النظام".