السبت, 5 يوليو 2025 11:32 AM

حملات مقاطعة تطارد الجامعات الإسرائيلية: هل هي امتداد لآلة القتل؟

حملات مقاطعة تطارد الجامعات الإسرائيلية: هل هي امتداد لآلة القتل؟

ترافق انعقاد «المنتدى الخامس للجمعية الدولية لعلم الاجتماع» (ISA) في جامعة «محمد الخامس» بالمغرب، بين 6 و11 تموز (يوليو)، حملات مطالبة بمقاطعته بسبب مشاركة أكاديميين إسرائيليين.

جاء ذلك بعد جهود مكثفة من «تجمّع علماء الاجتماع من أجل فلسطين»، و«الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» (PACBI)، و«الحملة المغربية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» (MACBI)، و«الجمعية الفلسطينية لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا»، و«الهيئة المغربية للسوسيولوجيا».

في 29 حزيران (يونيو) الماضي، اتخذت «الجمعية الدولية لعلم الاجتماع» (ISA) قراراً بتعليق عضوية الجمعية الإسرائيلية لعلم الاجتماع، وهي الجهة الرسمية التي تمثل المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية داخل الجمعية الدولية. وعللت الجمعية قرارها بعدم صدور أي موقف واضح من الجمعية الإسرائيلية تجاه الأحداث في قطاع غزة، رغم الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف.

عقب القرار، حذرت PACBI من مشاركة أكاديميين إسرائيليين في المنتدى، مؤكدة أن وجودهم يشكل تطبيعاً للاستعمار ومساهمة في منحه شرعية أكاديمية، ما يتناقض مع مبادئ العدالة وحرية الشعوب. ودعت إلى مقاطعة شاملة للمنتدى في حال مشاركة إسرائيليين، أو على الأقل مقاطعة الجلسات التي يشاركون فيها.

هذا الموقف جاء استكمالاً لبيانات عدة صدرت عن أكاديميين مستقلين، رفضوا الحضور إلى جانب مؤسسات إسرائيلية متورطة في تبرير سياسات القمع والاحتلال. وقد بلغ عدد الموقعين على أحد هذه البيانات أكثر من 230 أكاديمياً وأكاديمية من مختلف أنحاء العالم، من بينهم الباحثة اللبنانية ريما ماجد، كما أشارت «مبادرة قاطع قاوم».

في لبنان، دعت «حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل»» إلى موقف أكثر صرامة. ورغم الترحيب الواسع بقرار الجمعية الدولية، اعتبرت الحملة أن تعليق عضوية الجمعية الإسرائيلية لا يكفي، ما دامت الأبواب مفتوحة أمام ممثلين عن الجامعات الإسرائيلية للمشاركة في المنتدى.

ترى الحملة أن الجامعات في «إسرائيل» ليست مؤسسات أكاديمية «محايدة»، بل هي امتداد مباشر للمؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية، من حيث التمويل والبرامج، وأحياناً التدريب والتجنيد. وتعتبر أن التعامل معها كجهات «أكاديمية» تقليدية هو تجاهل لبنية الاستعمار نفسه.

وطالبت الحملة جميع المشاركين في المنتدى المزمع عقده في الرباط بالانسحاب، باعتباره يُعقد على أرض عربية، وتحت أنظار شعوب عربية، ولا يمكن السماح بتحويله إلى منصة للتطبيع الأكاديمي.

أكد عبد الملك سكرية، عضو الحملة في لبنان، أن «مقاطعة المنتدى واجب لا يمكن التهاون فيه»، مضيفاً أن الأكاديميين العرب أمام اختبار حقيقي: إما الالتزام بمناهضة التطبيع والدفاع عن الشعوب، أو الانزلاق إلى تبرير التواطؤ مع الجلاد تحت عناوين زائفة مثل «الانفتاح» و«الحياد الأكاديمي».

دائماً ما ترافق النقاش حول المقاطعة في الأوساط العربية والدولية مع أسئلة حول جدوى الانسحاب من مواجهة إسرائيليين، خصوصاً في المجالات الثقافية والرياضية. البعض يرى أن هذا الانسحاب يترك الساحة خالية للإسرائيليين، ويمنحهم انتصارات سهلة وظهوراً دولياً أوسع. بينما يتمسك آخرون بأن المقاطعة فعل مقاوم لا يقل أهمية عن سبل المواجهة الأخرى، خصوصاً في ظل تصاعد جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.

برز التيار الرافض للمقاطعة بوصفه توجهاً براغماتياً، يسعى إلى الحفاظ على الحضور العربي في الفضاءات الدولية، ويرى أن الانسحاب من المنافسات، الفنية أو الرياضية أو الأكاديمية، لا يخدم سوى الجانب الإسرائيلي. وقد رُوِّج هذا الطرح تحت شعارات مثل «عدم خلط السياسة بالرياضة»، أو «الفصل بين المواقف السياسية والتبادل الثقافي»، وهو خطاب يُقدَّم كمسعى لـ«الواقعية» والانفتاح العالمي.

لكن، بعد عملية «طوفان الأقصى» والإبادة الإسرائيلية المستمرة في غزة، وما تخلّلها من تدمير منهجي للبنية التحتية، وقتل جماعي للمدنيين، وتجويع متعمّد، وتهجير قسري، جعلت محاولات التبرير أو التذرّع بالحياد أمراً غير منطقي.

فالمجازر تُبثّ مباشرة على الشاشات ومنصّات التواصل، وتظهر المشاهد اليومية بشاعة الاحتلال، وتفرض مراجعة فورية لكل محاولات التهرب من المسؤولية الأخلاقية. في هذا السياق، تحوّلت المقاطعة إلى موقف سياسي واضح، وضرورة أخلاقية وإنسانية. لم تعد مجرّد تكتيك ضغط، بل فعل مقاومة رمزية ومباشرة.

إذ إن المشاركة إلى جانب إسرائيليين، سواء في الأفلام أو الرياضة أو المؤتمرات العلمية، تُعد اليوم قبولاً ضمنياً بالتطبيع، وتجاهلاً واعياً لما يحدث على الأرض. إنها مشاركة في إعادة إنتاج سردية الاحتلال الذي يروّج لنفسه باعتباره «دولة ديموقراطية» و«مجتمعاً أكاديمياً متقدّماً»، فيما يمارس جرائم ضد الإنسانية يومياً.

ويأخذ النقاش منحى أكثر وضوحاً، خصوصاً أن المؤتمر يُقام فوق أرض عربية. وبعد صدامات كثيرة وقعت في الجامعات الغربية، وقام طلاب وناشطون بطرد إسرائيليين من كلياتهم، ومنعهم من إعادة سرديتهم، جاء قرار باستقبال أكاديميين إسرائيليين في جامعة عربية، في خطوة تسبق الغرب في تبرير الاحتلال، وغير قابلة للتبرير تحت ذرائع أكاديمية وثقافية، ولو أن النظام المغربي هو أحد الأطراف الموقعة على «اتفاقيات ابراهام».

أخبار سوريا الوطن

مشاركة المقال: