السبت, 5 يوليو 2025 08:51 PM

الهوية الوطنية الجامعة في سوريا: كيف نبنيها ونحمي بها المجتمع؟

الهوية الوطنية الجامعة في سوريا: كيف نبنيها ونحمي بها المجتمع؟

يتزايد الحديث في الساحة السورية، خاصة بعد سقوط النظام، عن مفهوم "الهوية الوطنية الجامعة" وأهميته في تحقيق السلام المجتمعي والحفاظ على وحدة البلاد. ولكن، ما هو المقصود بهذا المصطلح؟

سناك سوري _ محمد العمر

ببساطة، الهوية الوطنية هي الإحساس بالانتماء إلى وطن واحد يجمع جميع أبنائه. إنها الإجابة عن سؤال: ما هي القواسم المشتركة التي تجمع بين مواطن من مدينة سورية وآخر من قرية؟ بين شمالي وجنوبي؟ بين ساحلي وداخلي؟

ما الذي يوحد العربي والكردي والآشوري والسرياني والسني والشيعي والإسماعيلي والدرزي والمسيحي في وطن واحد؟ وما الذي يدفعهم للشعور بالانتماء إلى نفس البلاد والدفاع عنها؟

بالتأكيد، ليست مجرد شعارات وأغانٍ وطنية عاطفية مثل "أنا سوري آه يا نيالي"، بل هي، بشكل أو بآخر، مجموعة من المصالح التي يحققها الانتماء إلى هذا الكيان لمجموعة من الناس (عرقية أو دينية أو إثنية..إلخ)، مما يجعلهم مدافعين عنه ومنتمين إليه.

لكن الأمر لا يقتصر على المصالح فقط، بحيث يزول الانتماء بزوالها، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو أسمى وأعمق. والأهم هو أن "الهوية الوطنية" لا تأتي كنتيجة حتمية ولا تنشأ تلقائيًا، بل تُبنى بإرادة أبناء البلاد من خلال خلق قيم ومبادئ وثقافة وعادات مشتركة تجمع مواطني البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

مقالات ذات صلة

  • السبت, 5 يوليو 2025, 2:26 م
  • السبت, 5 يوليو 2025, 1:39 م

كيف تُبنى الهوية الوطنية؟

تترسخ الهوية الوطنية من خلال دستور ونظام سياسي يتفق عليه أبناء البلاد. لهذا السبب يُسمى الدستور عقدًا اجتماعيًا، لأنه بمثابة اتفاق لتنظيم العلاقة بين الشعب والدولة، مما يجعل موافقة الشعب شرطًا أساسيًا باعتباره أحد طرفي هذا العقد. من هنا، لا يمكن اعتبار الدستور دستورًا إذا لم يأتِ بأصوات الشعب بكامل حريتهم، وهو ضمنيًا يحمل في نصوصه شكل النظام السياسي الذي سيحكم الدولة ويدير العلاقة مع الناس.

من جانب آخر، فإن الهوية الوطنية هي النقيض للهويات "الثانوية"، كما تسمى، والتي تأتي من خارج إرادة الإنسان الذي يأتي إلى الدنيا حاملًا لهذه الهويات رغمًا عنه ولا يمكنه تغييرها. إذ لا يمكن لشخص أن يغير مكان ولادته أو عائلته أو دينه أو طائفته، وهي كلها هويات ثانوية تأتي من خارج الإرادة ولا دور لاختيار صاحبها بها. لذا، سيبدو مستغربًا التعريف عن ناشط أو صحفي عبر وسائل الإعلام بأنه "صحفي مسلم".

الهوية السياسية

إذا كانت الهويات الثانوية خارج إرادة الإنسان، فأين يكون خياره؟ تظهر هنا "الهوية السياسية"، وهي الهوية التي يمكن للشخص تحديدها بإرادته الحرة ومن خلال أفكاره التي تدفعه للانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك، أو إلى هذه الإيديولوجيا أو تلك، أو إلى هذا الاتجاه السياسي دون غيره، فيكون يمينيًا أو يساريًا، تقدميًا أو محافظًا، ليبراليًا أو اشتراكيًا .. إلخ.

من خلال اختلاف الانتماءات السياسية، يُدار الصراع السياسي في البلاد من خلال نقاش الأفكار والمبادئ التي يحملها كل طرف. وهو الخلاف الصحي الذي تعيش به الدول، إذ تتصارع الأفكار والعقائد بحثًا عن الأفضل للصالح العام، علمًا أن هذا الصراع يتفاعل تحت سقف الهوية الوطنية الأكبر. فلا يختلف حزبان على حدود البلاد مثلًا، بل يختلفان على سياسات إدارتها في الاقتصاد والعلاقات الخارجية وسن القوانين وغيرها من المواضيع، ويحتكمان في خلافهما إلى الناس عبر "صندوق الانتخابات"، ويسلّم الخاسر والرابح بالنتيجة، ويكون الدستور هو الضامن لتسليم كل الأطراف بنتيجة الانتخابات والرضا بمضمونها مهما كان.

الصراع السياسي بشكله هذا هو النقيض الموضوعي لصراع الهويات الثانوية التي يدافع عنها البعض باستماتة عمياء دون تفكير بمعناها الأصلي. إذ لا يبدو حكيمًا أن شخصًا وُلِدَ مثلًا بشعر أسود يدعو لتشكيل جيش من أصحاب الشعر الأسود لقتال أصحاب الشعر البني الذين يرى فيهم عدوًا لمجرد اختلافهم عنه، وهذا هو جوهر الاقتتال الطائفي والمذهبي، الذي يشعله أشخاص لم يختاروا طوائفهم ولا مذاهبهم حينما جاؤوا إلى الدنيا لكنهم أصبحوا متعصبين لها لدرجة عمياء يريدون خلالها قتال كلّ مختلفٍ عنهم.

هل تمنع الهوية الوطنية حربًا أهلية؟

في ظل هذه المعطيات، تبرز أهمية الوطنية الجامعة كضمان لعدم اندلاع حرب أهلية قائمة على أساس طائفي أو عرقي، وتحويل الاختلافات بين السوريين إلى دائرة الصراع السياسي السلمي بين أفكار وتيارات سياسية تتنافس عبر برامج وخطط لا عبر التجييش والشحن الطائفي وتحتكم إلى صندوق الانتخابات لا إلى ميادين القتال.

لقد دفع السوريون ثمن عقود من الطغيان والرأي الواحد واللون الواحد والفكر الواحد، وقمع الناس بمختلف أفكارهم وانتماءاتهم، وتهديم الهوية الوطنية الجامعة لإلغاء الشعور والانتماء للوطن لصالح الانتماء للطاغية ونظامه، ما يجعل بناء الهوية الجامعة اليوم أولى الأولويات لإرساء سلم أهلي يوحّد البلاد نحو مستقبل يبتعد عن العنف ويلتفت لإرادة الناس وأصواتهم وآرائهم.

مشاركة المقال: