ناظم عيد يحق لنا نحن السوريين أن نبارك لأنفسنا بإطلاق الرمزية والروحية الجديدة لهويتنا. وإذا كنا نحتفي ونبارك لأنفسنا كما نحن جديرون، فإنه يحق لنا، بل ربما من واجبنا، أن نصوغ لائحة "مطالب" واستحقاقات حضارية عميقة، ونقدمها لأنفسنا قبل أي أحد آخر، لأنه لا أحد معني بها غيرنا، ولا مجال للهروب منها، فهي استحقاقات مصيرية بكل معنى الكلمة، ومسؤولية لا تقبل التجيير أمام الأجيال القادمة، التي ستقرأ التاريخ وستبارك أو تشجب، وسيكون من حقها أن تفعل.
إنها الأجيال التي ستقرر نتائج اختبار حقيقي، أعلنا بدايته بكرنفال جميل، ويفترض أن نكون قد شرعنا به للتو: اختبار بناء سورية الدولة الوطنية، التي طالما كانت شعاراً زعمناه هدفاً. وعلينا أن نعترف بأننا أخفقنا على مدى عقود مضت في تجسيده خارج قاعات المؤتمرات وساحات "الأعراس الوطنية" والمناهج الدراسية ورسائل الإعلام التمجيدي، وسلسلة "فصام وطني" تجاهلناها عنوة في العلن، واعترفنا بسقوطنا متلبسين بها في جلساتنا الخاصة دون أن تعلو أصواتنا، بما أن "للجدران آذاناً" تسمع من يلزم، إن في أروقة "حراس الأمن القومي" أو "مضارب القبيلة"، وكم هي شديدة ضروب العقاب التعسفي لدى الجانبين.
إن ما جرى بالأمس هو حدث وطني جامع، لن يكون بمقدور أي سوري تجاهله، لأنه مصافحة جديدة مع المستقبل، وصفحة مختلفة في تأريخ وتدوين السفر السوري الجديد، وميثاق شرف وطني أعلنه قادة البلاد بمفردات واضحة غير ملتبسة، يملي على السوريين – كل السوريين- بدءاً من المؤسسات الرسمية، إلى الأخرى ذات الطابع الأهلي والمدني، وصولاً إلى الأسرة، الشروع ببلورة أدبيات وترجمتها لاحقاً سلوكيات، ستكون هي الرائز الأساس في تلمس ذلك التغيير الذي نتطلع إليه.
وإن كان ثمة مقدمات مكتوبة وملموسة منتظرة ومرتقبة لقراءة المشهد القادم، فستكون المهمة الأصعب لدى وزارة التربية أولاً، ثم وزارة الثقافة ثانياً، ووزارة الأوقاف ثالثاً. هنا تكمن ثلاثية الفعل الخلاق لصناعة التأثير وصياغة سورية المستقبل، ليأتي دور وزارة الإعلام رابعاً، المسوق الحاذق المفترض لنتاج لن تنجح بتسويقه إن لم يكن مختلفاً وجاذباً ولائقاً بهذه البلاد التي نصر على نعتها بأنها طيبة، وهي طيبة بالفعل أكثر مما تعنيه مفردات المجاملة والاستعراض المدرسي المقولب.
بعدها، سيأتي دور المواطن المعني بإعادة "هندسة" حياته وأولوياته، فكما نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد، نبدو جميعاً بحاجة لإعادة هندسة مفردات مستقبلنا الخاص، وهذا يعني ذهنيات جديدة، ذهنيات بقاء لا فناء، لأننا في عالم أحدثت فيه التكنولوجيا "الساحرة" مفارقات مدهشة، لن تسلم من رضوضها المجتمعات والشعوب المنكفئة.
سورية ستكون أجمل، وهذا ليس تفاؤلاً أجوف بل قراءة مرتكزة على القدرة الكامنة في حنايا "العقل السوري" نتاج بضعة آلاف من تتابع الحضارات. سننجح في الاختبار أمام أجيال آتية ستتولى التقييم، وسنكسب الرهان، لأنه لا خيار أمامنا إلا النجاح.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية