ألُقيت محاضرة بعنوان "الغابات في سورية والعالم" من قبل الباحث محمد سلمان ابراهيم يوم الأحد بدعوة من اتحاد الكتاب العرب في طرطوس. وقد استضاف اللقاء رئيس فرع الاتحاد منذر عيسى الذي رحب بالمحاضر والضيوف المهتمين بالشأن الثقافي والبيئي.
قدم الباحث محمد سلمان ابراهيم مجموعة من المعلومات والحقائق الهامة حول الغابات في سورية والعالم، مستعرضاً تاريخ الأرض منذ أربعة مليارات سنة، ومؤكداً أن الأرض كانت كتلة منصهرة تفاعلت مكوناتها لتشكيل المركبات. وأشار إلى دور الآزوت والأوكسجين والهيدروجين والمياه والغازات والأبخرة في إنتاج الأحماض الأمينية والسكريات والبروتينات التي ساهمت في إيجاد التنوع الحيوي، بما في ذلك الأشجار التي ظهرت منذ 570 مليون سنة.
أوضح الباحث أهمية الغابات، مشيراً إلى أنها كانت تغطي ثلث مساحة اليابسة، لكنها تراجعت إلى 20 بالمائة. وأكد أنها تخزن حوالي 300 مليار طن من الكربون، وتساهم في دورة بيولوجية كيميائية تنقل العناصر المغذية من التربة إلى النبات والحيوان وتعيدها إلى التربة. كما بين أن الأشجار تمتص المواد وتحولها إلى أحماض أمينية وغذاء، وتمنح الكائنات القدرة على استمرار الحياة. وتحتوي الغابات على 40 بالمائة من أشكال الحياة على اليابسة، وتسهل تخزين المياه الجوفية، وتكافح التصحر، وتنتج 20 ألف منتج اقتصادي منها 28 مليون م3 من الأخشاب.
تطرق المحاضر إلى الفوائد العديدة للغابات، بما في ذلك المنظر الأخضر الذي يريح الأعصاب ويؤثر إيجاباً على سلوك البشر ويخلص من الإرهاق والاكتئاب. وأشار إلى أن الغابات تطرح 20 بالمائة من الأوكسجين وتمتص 20 بالمائة من الانبعاثات الضارة، وأن كل شجرة تقدم ما قيمته 150 ألف دولار سنوياً كخدمات بيئية واقتصادية. وأوضح أن كل شجرة تطرح حوالي 300 كغ من الأوكسجين يومياً، وترسب 10 كغ من المعادن، وتصفي 100 ألف م3 من الهواء، وتخفض الحرارة بما يعادل 80 جهاز تكييف.
أكد الباحث أن الغابات الرئيسية تشكل محميات طبيعية تعادل 13 بالمائة من مساحة اليابسة، وأن أهم شجرة في العالم هي السرو، وأن عمرها 2000 سنة، وأعلى شجرة هي سيكويا في كاليفورنيا حيث يصل طولها إلى 80 مترا، وعمرها 1650 سنة، ومحيطها 32 مترا، وأما أقدم شجرة فهي أرز الرب في لبنان – 7500 سنة – والبعض يقول – 5000 سنة.
وفيما يتعلق بسورية، قال الباحث إنها متحف التاريخ الطبيعي والعلمي منذ 240 مليون سنة، وأن أراضي محافظة طرطوس ظهرت منذ 135 مليون سنة، وأن أحدث أراضي سورية هي سهل عكار وسبخة الموح، وأن مساحة الغابة في سورية كانت 507 ألف هكتار منها 233 ألف هكتار طبيعية و274 ألف هكتار اصطناعية، بينما تغطي الأشجار المثمرة 980 ألف هكتار. وتتنوع أشجار الغابة في سورية تبعاً للرقعة ومقاييس البعد والقرب والارتفاع عن سطح البحر والأمطار ونوع التربة والمناخ والأنشطة البشرية.
أشار المحاضر إلى أن أضخم شجرة في سورية هي "الدلب" في عين الكرم – وادي العيون حيث يبلغ محيطها 6 ونصف متر وارتفاعها 20 مترا. ومن أشجار سورية "الأرز" حيث محمية غابة الأرز، والشوح في صلنفة. وأكد أن ثمار الخرنوب تضبط حركة الأمعاء وتمنع الإسهال والإمساك وتعالج الحموضة وتخفف السعال وتنشط الكلى وهي مدرة للحليب وفيها فيتامينات ومعادن.
أوضح الباحث أنه يمكن الاستفادة من الغابات في سورية بمليار دولار سنوياً من الأدوية ومساحيق التجميل والتورب والطاقة والبذور. وتحدث عن الحرائق التي التهمت أكثر من عشرة آلاف هكتار وسطياً من عام 2020 وحتى 2022، مؤكداً أن أهم الغابات في طرطوس هي في الشيخ بدر والقدموس وتيشور وسرستان وقنية ودوير رسلان والنبي متة وبارمايا وتالين وعوجان، وأن هذه الغابات تمتص حوالي 3 مليون طن من الملوثات سنوياً.
أكد المحاضر أن الأخطار المحدقة بالغابات تتشابك فيها عوامل الطبيعة مع العوامل البشرية، وأن قطع الأشجار وحرقها يطلق كربونا وملوثات أصبحت الطبيعة عاجزة عن امتصاصها. وتحدث عن اندثار نصف الغابات في سورية منذ عام 2011، وعن إلحاق الأضرار بـ 80 بالمائة منها، حيث تراجعت مساحتها من 507 ألف هكتار إلى 150 ألف هكتار حالياً. وأشار إلى الحرائق وانتشار حشرة خنفساء اللحاء والقطع المفرط والإتجار بمكونات الغابة وتصنيع الفحم واستصلاح الأراضي المجاورة للغابة والرعي الجائر ووجود مشاريع تشجير وهمية أنفق عليها مئات ملايين الليرات السورية.
اقترح الباحث حلولاً لحماية الغابات، مشيراً إلى أن الدراسات أكدت أن النظام البيئي للأشجار قادر على التكيف مع المتغيرات وإعادة النمو بعد الحرائق ومقاومة اعتداءات من كائنات أخرى، مؤكداً ضرورة قطع الأشجار المعمرة وزراعة أشجار فتية بدلاً عنها، وإيقاف استخدام السيللوز الشجري للورق والمحارم والمنسوجات، واستبدال الأخشاب بالبلاستيك في صناعة المنجور والأثاث المنزلي، والأهم بناء قواعد بيانات للغابات للمراقبة ومعرفة أوقات الجفاف والأوقات الحرجة لاندلاع الحرائق، مؤكداً أهمية التعاون مع الأرصاد الجوية وبرامج الذكاء الصناعي لمراقبة تغيرات المناخ ومنع الصيد في الغابة عبر إصدار قوانين صارمة لحمايتها ورعايتها.