على الرغم من حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن احتمال نشوب حرب مع إسرائيل بسبب رغبة الأخيرة في فتح جبهة ضد تركيا بعد افتراض سقوط إيران خلال حرب الـ 12 يومًا، إلا أن تصريحاته لا تتفق مع موقفه من التطبيع السوري الإسرائيلي المتوقع.
تحت عنوان "ما من شأنه تأمين مستقبل مزدهر لسوريا"، أعرب الرئيس التركي عن دعمه لانضمام سوريا إلى "اتفاقيات أبراهام" مع إسرائيل.
عندما سُئل أردوغان عن تقييمه للتطورات في سوريا في ضوء قرار ترمب رفع العقوبات عنها، وطلبه انضمامها إلى "اتفاقيات أبراهام" للسلام، وإجراء محادثات أمنية تمهيدية بين سوريا وإسرائيل، وما يعنيه ذلك لتركيا، أجاب: "تركيا تدعم جميع التطورات التي تدعم مستقبل سوريا المزدهر وتعزز السلام والهدوء".
تثار تساؤلات حول علاقة أنقرة بقرار سيادي يتعلق بتطبيع سوريا من عدمه، ولماذا يوجه هذا السؤال للرئيس التركي، وكأن بلاده وصية على سوريا، وذلك في سياق الدعم التركي لإسقاط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، حيث رفض الأخير الجلوس إلى طاولة الأتراك التفاوضية قبل انسحاب الجيش التركي من أراضيه.
أكد الرئيس التركي أن بلاده تبذل ما بوسعها لضمان "تحييد كامل للجماعات الإرهابية من الأراضي السورية، وتمكين الجيش السوري وحده من بسط سيطرته على كامل البلاد". وقال: "من يعارض هذا المسار السلمي سيجد تركيا في مواجهته".
يواصل أردوغان تبرير تواجده على الأراضي السورية، رغم سقوط نظام الأسد، بالتشديد على أن العمليات العسكرية التركية داخل الأراضي السورية – مثل "درع الفرات"، و"غصن الزيتون"، و"نبع السلام" – جاءت لضمان أمن الحدود التركية وإنهاء مظاهر الفوضى في الشمال السوري.
يبدو أن الرئيس التركي على علم بخفايا قرب تطبيع سوريا الجديدة، ويهيئ بدوره بقربه وعدم ممانعته ذلك، حيث نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصادر أميركية أن "السلام مع سوريا بات قاب قوسين أو أدنى، وأن التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وسوريا، واللافت أن التطبيع سيتم من دون إعادة هضبة الجولان إلى دمشق"، وهو مسألة وقت فقط، قد لا تتعدى الأسابيع أو الأشهر القليلة.
فيما يتعلق بهضبة الجولان، تقول الصحيفة الإسرائيلية إنه على الرغم من أن عائلة الشرع تنحدر من الجولان – ومن هنا لقب بالجولاني – فإنه "لا يحمل الالتزام العاطفي ذاته تجاه الهضبة مثلما فعل حافظ الأسد"، الذي كان مسؤولاً شخصياً عن فقدانها في حزيران/يونيو 1967، حين شغل منصب وزير الدفاع في دمشق. علاوةً على ذلك، مضى أكثر من 60 عاماً على خسارة سوريا الجولان، والرئيس ترامب نفسه اعترف رسمياً بالسيادة الإسرائيلية على المنطقة.
يبدو أن إسرائيل مهتمة بالتطبيع مع سوريا الضعيفة، حيث تقول الصحيفة الإسرائيلية المذكورة إن سوريا لا تزال غير مستقرة، ولا يزال حكم الشرع مهددًا كذلك، ولا تزال طريق المصالحة الإسرائيلية-العربية محفوفة بالعقبات. ومع ذلك، "فنحن أقرب إلى السلام مع سوريا مما كنا عليه في أي وقت مضى، حتى لو لم نتمكن من تناول الحمص قريبًا في دمشق"، ما يوحي بوجود نوايا احتلالية قائمة مؤجلة لسورية رغم تنازلها وتطبيعها المرتقب.
على الصعيد الداخلي التركي، فيما ينشغل أردوغان بسورية وتطبيعها وأراضيها، لا يبدو أن الجبهة الداخلية في وضع الصامت، فزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزيل شن هجومًا حادًا على الحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، وحذر من "أحداث أكبر" إذا لم يتوقف استهداف حزبه.
خاطب أوزيل أردوغان قائلاً: الميادين تغلي.. ما ترونه الآن مجرد بداية، وإذا لم تلاحظوا هذا مبكرًا، فستدفعون الثمن لاحقًا".
فيما كان يحذر أردوغان وحليفه القومي دولت بهتشلي من خطر وجودي على تركيا من إسرائيل، يعبر أردوغان في المقابل عن عدم ممانعته تطبيع سورية مع الكيان، فيما يرفع زعيم المعارضة الصوت عاليًا، ويقول إن تركيا ستواجه خطرًا يشبه أحداث الربيع العربي، ويحذر أردوغان بالقول: "إذا اكتفيتم بمشاهدة الشوارع كما شاهدتم ميدان التحرير بمصر عبر الشاشات، فأنتم لا تدركون الخطورة"، وأضاف: "لا تدفعوني لدعوة الشعب للخروج.. وإذا فعلت، فليتخيل أردوغان بنفسه ما قد يحدث".
تحاول السلطات التركية فيما يبدو كبح جماح التظاهرات، حيث كشف زعيم المعارضة عن عرض من السلطات لـ"البقاء في أنقرة والابتعاد عن الميادين مقابل التخلي عن الدفاع عن المعتقلين"، رافضًا ذلك بشدة: "أفضل السجن بشرف على أن أكون أداة". كما صرح متحديا قيادات العدالة والتنمية: "هل تجرؤون على قانون يحقق في ثروات المسؤولين لعشر سنوات؟ نحن مستعدون!".
بعد سجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو لإبعاده عن التنافس على الرئاسة، تتواصل حملة أمنية وقضائية تشنها أنقرة ضد رؤساء بلديات معارضين، حيث اتهم أوزيل السلطات بـ"سجنهم دون أدلة".
بالتزامن مع ترحيب تركيا بالتطبيع السوري- الإسرائيلي، نفت الرئاسة التركية، السبت، التقارير التي زعمت تصدير تركيا بضائع إلى إسرائيل بقيمة 393.7 مليون دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، واصفة هذه الادعاءات بأنها "كذب وتضليل" يهدف إلى التلاعب بالرأي العام وتشويه سمعة المؤسسات الرسمية التركية.
جددت تركيا إدانتها الشديدة للإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في فلسطين، مؤكدة دعمها الثابت للشعب الفلسطيني، لكن يبدو أن موقفها يظهر تناقضًا، حيث تدين الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، ثم تبارك التطبيع السياسي والاقتصادي مع الكيان، أملاً في الازدهار والسلام!
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم