الأربعاء, 16 يوليو 2025 03:44 AM

اتفاقية مع صندوق النقد تثير الجدل: حصانات واسعة وامتيازات مثيرة في لبنان

اتفاقية مع صندوق النقد تثير الجدل: حصانات واسعة وامتيازات مثيرة في لبنان

محمد وهبة: تتراوح هذه السلة من الإعفاءات الضريبية الشاملة لتملك الأصول والدخل والاستهلاك، وصولاً إلى منع الدولة اللبنانية من التفتيش أو المصادرة أو الاعتقال أو الاحتجاز، بالإضافة إلى حقوق شراء الذهب والأموال والعملات ونقلها وتحويلها بلا أي قيد أو شرط. بموجب هذه الاتفاقية، سيتحول مكتب «الممثل المقيم» لصندوق النقد في لبنان إلى مكتب للمفوض السامي الجديد الذي لا يمس إلا بالاستناد إلى عبارة واحدة وردت في الاتفاقية وهي مطاطة ويمكن تفسيرها بمليون طريقة: «الجرائم الفادحة» خلافاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات التي طلبت استثناء «الجرم المشهود» من هذه الحصانات، كما أنها طلبت ألا يبرم مجلس الوزراء هذه الاتفاقية قبل استصدار قانون من مجلس النواب للإعفاءات الضريبية.

تتوزع الحصانة الممنوحة للصندوق بموجب هذه الاتفاقية على أربعة عناوين: مقر المكتب، الممتلكات والضرائب، امتيازات وحصانات يتمتع بها المكتب، امتيازات وحصانات يتمتع بها الموظفون. وتمثل هذه العناوين الأربعة القسم الغالب من الاتفاقية، إذ إن الباقي مسائل بديهية في اتفاقيات من هذا النوع مع منظمة دولية، إذ سيترتب على لبنان تسهيل إجراءات تأسيس المكتب، فضلاً عن أن الشخصية القانونية للمكتب ليست مستقلة عن الشخصية القانونية للصندوق، كما أن المكتب سيضم مسؤولاً وموظفين يعينهم الصندوق ويعملون وفق قواعد الصندوق وسيتم تزويد وزارة الخارجية لائحة بأسمائهم.

في الشق المتعلق بالحصانات، فهو يبدأ بمقر المكتب. فبحسب الاتفاقية سيحظى مقر المكتب بالحصانة «ولا يحق لأي سلطات لبنانية أو لأي شخص آخر أن يمارس أي سلطات عامة داخل لبنان، سواء سلطات إدارية أو قضائية أو تشريعية أو عسكرية، دخول المكتب لأداء أي مهام إلا بموافقة «الممثل المقيم» وحسب الشروط التي يوافق عليها». وفي المقابل، يترتب على لبنان تأمين جميع تدابير الحماية الملائمة لهذا المقر ولموظفي الصندوق من أي أعمال اقتحام أو أضرار أو تعطيل القانون والنظام داخل المكتب...

وفي ما يتعلق بالممتلكات والضرائب، فهناك ثلاثة بنود أساسية تتمحور حول الإعفاءات التي سينالها الصندوق. فالاتفاقية تشير إلى إعفاء الصندوق وأصوله وممتلكاته وعملياته ومعاملاته من جميع الضرائب والرسوم الجمركية، بما في ذلك الحد الأدنى للرسوم الجمركية وضريبة الاستهلاك المحلي وضريبة القيمة المضافة والضرائب البلدية وتحديداً «يعفى الصندوق من جميع فئات الضرائب أو الجمارك أو الرسوم أو الجبايات أو الالتزامات».

بموجب الاتفاقية يعفى الصندوق وموظفوه من جميع فئات الضرائب والجمارك والرسوم وتشمل هذه الالتزامات مشتريات الصندوق أو مبيعاته من السلع والخدمات ورسوم البيع والشراء والإيجار والاستئجار وخدمة الاتصالات وضريبة القيمة المضافة «عبر رد الضريبة المدفوعة»، أيضاً تشمل كل ضريبة على استيراد الرسوم والسلع والأدوات، بما في ذلك السيارات والمعدات والإمدادات والمواد الفنية والمطبوعات، فضلاً عن أي التزامات بتحصيل أو سداد مدفوعات أو مساهمات لأغراض المعاشات التقاعدية للدولة أو خطط التأمين الصحي الوطنية أو حسابات الضمان الاجتماعي أو أي نظم مماثلة.

وفي ما يتعلق بـ «الامتيازات والحصانات التي يتمتع بها الصندوق / المكتب»، فقد وردت ستة أقسام على رأسها «الحصانة من جميع أشكال الإجراءات القضائية ويتضمن ذلك الحصانة من جميع الإجراءات القانونية المرتبطة بشؤون العاملين بالصندوق»، على أن تخضع المسائل المتعلقة بعلاقات العمل مع موظفي الصندوق في لبنان للإطار الداخلي لموظفي الصندوق وتتم تسويتها عبر آليات الصندوق حصراً. ثم تأتي الحصانات المتعلقة بممتلكات الصندوق من التفتيش أو الاستيلاء والمصادرة أو نزع الملكية أو أي شكل آخر من أشكال وضع اليد بمقتضى إجراء تنفيذي أو إداري أو تشريعي.

أيضاً تتمتع محفوظات الصندوق وجميع الوثائق الخاصة به أو الموجودة بحوزته بالحصانة، إضافة إلى جميع مراسلاته والاتصالات الرسمية من المكتب وإليه لا تخضع للرقابة ولا يتم اعتراضها أو التلاعب بها، ويحق للمكتب استخدام الحقيبة الديبلوماسية، بالإضافة إلى حرية غير مشروطة بقيود أو بضوابط مالية أو لوائح تنظيمية أو قرارات تأجيل تشمل الآتي: شراء أي أموال أو ذهب أو عملات من أي نوع وحيازتها والتصرف فيها والتعامل على الحسابات بأي عملة، ونقل الأموال والذهب والعملات.

أما الامتيازات والحصانات التي يتمتع بها موظفو الصندوق، أياً تكن جنسيتهم، فهي تشمل «الحصانة من الإجراءات القانونية في ما يتعلق بأي كلمات منطوقة أو مكتوبة وجميع التصرفات الصادرة عنهم بصفتهم الرسمية، الإعفاء من جميع الضرائب والجبايات الأخرى، ومن الرسوم الإلزامية، والحصانة من الاعتقال أو الاحتجاز فيما عدا حالات الجرائم الفادحة» ومن مصادرة أمتعتهم الشخصية. واللافت أنه ليس واضحاً ما هو تعريف الجرائم الفادحة أو الأعمال التي تنطق عليها هذه العبارة.

أيضاً سيحصل الموظفون على كل الامتيازات التي تتمتع بها البعثات الديبلوماسية، بالإضافة إلى «الحصانة لهم ولأزواجهم ومن يعيلونهم وعمالتهم المنزلية» وذلك يشمل قيود الهجرة ومتطلبات التسجيل. وسيحصل «الممثل المقيم» في لبنان مع زوجته ومن يعيلهم «الامتيازات والحصانات والإعفاءات والتسهيلات ذاتها الممنوحة في لبنان لرؤساء البعثات الديبلوماسية وأزواجهم ومن يعيلونهم.

ويكفل لكل موظفي الصندوق الحق «في استيراد السلع المنزلية والمتعلقات الشخصية بما في ذلك السيارات للاستخدام الشخصي وبدون أي جمارك أو رسوم ... والإعفاء من ضريبة الاستهلاك المحلي وضريبة القيمة المضافة». وبموجب الاتفاقية يمنح لزوج أو زوجة «الممثل المقيم» وأزواج أي من موظفي الصندوق الآخرين من غير المواطنين المحليين «الحق بالعمل في أي وظائف مدفوعة الأجر في لبنان». طبعاً هناك بند في الاتفاقية يشير إلى أن هذه المزايا والحصانات والامتيازات ليست شخصية، لكن تطبيق ذلك يقع على عاتق الصندوق.

كان هناك نقاش مؤسسي يتعلق بالطبيعة القانونية لهذه الاتفاقية، واعتبرت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، أنها معاهدة دولية بمعنى المادتين 52 و65 من الدستور وبأن رئيس الجمهورية المختص بالتوقيع ومجلس الوزراء هو الجهة المخولة دستورياً إبرامها، لكنها أشارت إلى أنه يقتضي الاستحصال على موافقة مجلس النواب عليها قبل إبرامها في مجلس الوزراء «لأنها تتضمن إعفاءات ضريبية» لا يجوز إجراؤها إلا بقانون، سنداً لأحكام المادة 82 من الدستور»، كذلك طلب المجلس ألا تشمل الحصانات «حالات الجرم المشهود».

كل الوزارات والإدارات المعنية وافقت سريعاً على مضمون الاتفاقية من دون أي نقاش باستثناء اعتراض واحد أتى من وير العمل السابق مصطفى بيرم الذي رفضها: «نتحفظ على العديد من البنود التي تمس بالسيادة اللبنانية وتعطي امتيازات فائقة لغير اللبنانيين مع تأكيدنا تسهيل الحصول على إجازات العمل التي يحتاجونها».

مشاركة المقال: