حذر المبعوث الأميركي الخاص لسوريا وسفير واشنطن لدى تركيا، توم بارّاك، من أن لبنان يواجه "تهديدًا وجوديًا" إذا لم يسارع إلى معالجة مسألة ترسانة حزب الله. وأشار إلى أن البلاد قد تصبح ساحة لتجاذبات القوى الإقليمية، ما لم يتم التوصل إلى حل جذري للأزمة.
في حديث لصحيفة "ذا ناشيونال"، أوضح بارّاك أن لبنان "محاصر بين إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، وسوريا التي تعود لتفرض نفسها بسرعة". وأضاف: "إذا لم يتحرك لبنان الآن، فقد يعود ليكون جزءًا من بلاد الشام مجددًا".
وتابع بارّاك: "السوريون يقولون إن لبنان هو منتجعنا البحري... لذلك علينا أن نتحرك. وأنا أدرك تمامًا مدى إحباط اللبنانيين، وأنا أيضًا أشعر بالإحباط".
وكشف بارّاك أن الولايات المتحدة والسعودية وقطر مستعدون لتقديم الدعم إذا أبدت الحكومة اللبنانية استعدادًا حقيقيًا لتولي زمام المبادرة. وأشار إلى أنه قدم، الشهر الماضي، مقترحًا رسميًا للمسؤولين اللبنانيين يدعو إلى نزع سلاح حزب الله وتنفيذ إصلاحات اقتصادية، كجزء من خطة شاملة لـ "إنقاذ البلاد" من أزمتها المالية المستمرة منذ أكثر من ست سنوات، والتي تُعد من بين الأسوأ عالميًا.
وبحسب المقترح الأميركي، فإن أي مساعدات لإعادة الإعمار ووقف العمليات العسكرية الإسرائيلية مشروطة بنزع سلاح حزب الله بالكامل على الأراضي اللبنانية. ومنذ بدء وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني، سحب حزب الله معظم مقاتليه من الحدود مع إسرائيل، إلا أن الأخيرة ما زالت تصر على نزع سلاح الحزب في جميع المناطق اللبنانية.
وردًا على المبادرة، قدّمت السلطات اللبنانية وثيقة من سبع صفحات تتضمن دعوة لانسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي المتنازع عليها، وتشدد على حصرية السلاح بيد الدولة.
وقال بارّاك إن الوثيقة اللبنانية "كانت متجاوبة، بل ومتجاوبة جدًا"، رغم إقراره بأن هناك نقاط خلاف "تتطلب الكثير من التفاوض". وأضاف: "لدينا اتفاق سابق كان ممتازًا... المشكلة أنه لم يُنفّذ".
وحين سُئل عمّا إذا كان نزع حزب الله لسلاحه وتحوله إلى حزب سياسي فقط قد يدفع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى شطبه من قائمة المنظمات الإرهابية، كما جرى مع "هيئة تحرير الشام" في سوريا، رفض بارّاك التعليق، قائلاً: "لا أتهرب من الإجابة، لكن لا يمكنني الردّ عليها".
أما عن عدم إعلان الرئيس اللبناني جوزاف عون التزامًا علنيًا بجدول زمني لنزع السلاح، فأوضح بارّاك أن ذلك "يعود إلى عدم رغبته في إشعال حرب أهلية". وأشار إلى أن الجيش اللبناني لا يزال يُعتبر "الجهة الأكثر حيادًا ومصداقية"، إلا أنه يواجه نقصًا حادًا في التمويل والعتاد نتيجة الانهيار الاقتصادي، ما دفع قوات اليونيفيل إلى سد الفراغ بـ10 آلاف جندي.
وأضاف: "بارك الله في الأمم المتحدة وقوات اليونيفيل، لكنهم لا يمتلكون قيادة فعلية على الأرض في الحالات الطارئة". وحذر من أن أي محاولة لفرض نزع سلاح حزب الله بالقوة قد تؤدي إلى انفجار داخلي، مشيرًا إلى أن الحلّ الأمثل قد يكون عبر اتفاق طوعي يُسلّم فيه الحزب أسلحته الثقيلة، كالصواريخ والطائرات المسيّرة، إلى مستودعات مراقبة، ضمن آلية دولية تشمل الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل والجيش اللبناني.
ورغم أهمية هذا المسار، أكد بارّاك أن الجيش اللبناني يفتقر حاليًا إلى الموارد البشرية والمعدات اللازمة لتنفيذه، قائلاً: "لا نملك عددًا كافيًا من الجنود على الأرض، ولا التمويل الكافي. إنهم يستخدمون معدات عمرها 60 عامًا".
وبحسب باراك، فإن حزب الله يرفض الاعتماد على الجيش اللبناني، ويرى فيه مؤسسة عاجزة عن توفير الحماية، قائلاً: "الحزب يرى أن إسرائيل تقصفه يوميًا، وما زالت تحتل أراضيه، لذلك لا خيار أمامه سوى الاعتماد على نفسه".
ولمواجهة هذه التحديات، شدد بارّاك على ضرورة دعم الجيش اللبناني دوليًا، وخلق آلية لإدارة الأسلحة الثقيلة بموافقة الأطراف المعنية. لكنه أشار إلى أن واشنطن تواجه صعوبة في إقناع شركائها الخليجيين بتمويل الجيش، لأنهم "سئموا من ضخ الأموال في بلد تذهب فيه المساعدات إلى جيوب الفاسدين".
وقال: "نطلب من شركائنا الخليجيين تمويل الجيش، لكنهم يرفضون لأنهم منحوا لبنان كثيرًا في الماضي دون جدوى. هذا هو المأزق الكبير".
واختتم بارّاك حديثه بالتأكيد على أن استقرار لبنان يتطلب دعمًا منسقًا للجيش اللبناني، يمكن تحقيقه بالتعاون مع الدول الخليجية وقوات اليونيفيل، شريطة إعادة تحديد أدوارها ومهامها بشكل فعّال. (EURONEWS)