كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية "Nature" العلمية عن آلية جديدة لتنظيم الالتهاب المزمن في الجسم، مما يبشر بعلاجات أكثر دقة وفعالية للحالات الالتهابية المستعصية. تهدف هذه العلاجات إلى تجنب التأثير السلبي على استجابة الجسم الطبيعية للإصابات والأمراض قصيرة الأمد.
الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعة "كاليفورنيا" في سان دييغو، سلطت الضوء على بروتين يُدعى "WSTF"، يلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على التوازن داخل الخلايا المناعية، خاصةً فيما يتعلق بالاستجابات الالتهابية. اكتشف الفريق أن هذا البروتين ينظم عملية "الالتهام الذاتي النووي" (nuclear autophagy)، وهي عملية خلوية تحدث داخل نواة الخلية، وتتحكم في نشاط الجينات المرتبطة بالالتهاب طويل الأمد.
إيقاف الالتهاب دون المساس بالمناعة السريعة
تشير الدراسة إلى أن الخلايا المناعية في الجسم، مثل البلاعم (macrophages)، قد تفقد بروتين "WSTF" أو تضعف وظيفته في حالات الالتهاب المزمن، مما يؤدي إلى استمرار إنتاج الإشارات الالتهابية حتى بعد زوال السبب الأصلي. ومع ذلك، تمكن الباحثون من إعادة تنشيط بروتين "WSTF" في هذه الخلايا، ووجدوا أن ذلك ساعد على "إطفاء" الالتهاب دون التأثير على الاستجابة السريعة المطلوبة في حالات العدوى الحادة أو الجروح.
يقول المشرف على الدراسة، البروفيسور يويمياو وانغ: "إن هذا التوازن الدقيق هو ما يجعل الاكتشاف مهمًا. معظم العلاجات الحالية تثبط الالتهاب بشكل عام، مما قد يضعف المناعة، لكننا نبحث عن طرق تستهدف الالتهاب الضار فقط دون المساس بقدرة الجسم الطبيعية على الحماية".
نحو علاجات أكثر استهدافًا
تشير النتائج إلى أن استهداف بروتين "WSTF" أو المسارات المرتبطة به قد يوفر حلاً واعدًا لعلاج الأمراض المزمنة مثل الروماتويد، والتهاب القولون التقرحي، والربو، وحتى بعض السرطانات، التي ترتبط بوجود التهابات مستمرة تضعف الأنسجة بمرور الوقت. حتى الآن، لا تزال الأبحاث في مراحلها المخبرية، لكن العلماء يأملون أن تؤدي هذه النتائج إلى تطوير أدوية قادرة على "إعادة برمجة" الخلايا المناعية لإطفاء الالتهاب المزمن من الداخل، دون تعطيل أنظمة الدفاع الأساسية في الجسم.
يأتي هذا الاكتشاف في سياق الجهود العالمية للعثور على علاجات أكثر ذكاءً لأمراض الالتهاب التي ترهق أنظمة الرعاية الصحية وتؤثر على نوعية حياة ملايين البشر حول العالم.