تتبوأ الدراما السورية مكانة مرموقة في ذاكرة السوريين، تاركةً بصمةً إيجابيةً لدى المشاهدين. أعمال مثل "الفصول الأربعة"، الذي عكس الواقع العائلي السوري بصدق، و"أهل الغرام"، الذي لامس القلوب بقصص حب واقعية، تجاوزت كونها مجرد مسلسلات لتجسد يوميات الناس. الكوميديا السورية، بنكهتها الخاصة في أعمال مثل "ضيعة ضايعة" و"عيلة سبع نجوم"، لا تزال حاضرة في الذاكرة السورية رغم مرور عقدين.
الأعمال الدرامية السورية القديمة شكلت حالة وجدانية في الثقافة البصرية السورية. لكن المشهد تغير مع الأعمال الجديدة، التي لم تعد تترك الأثر المطلوب، رغم الأصداء الإيجابية لبعضها عند العرض الأول، حيث يكتفي الجمهور بمشاهدة واحدة.
تراجع الأثر الدرامي
الناقد الفني جوان الملا، في حديثه مع عنب بلدي، أرجع فقدان الأثر للأعمال السورية الجديدة إلى عاملين: التغير الجذري في المشهد الفني بفعل الرقمنة والسرعة، وكثرة "التريندات" والأحداث المتلاحقة التي لا تتيح للمتابع إعادة المشاهدة أو ترك أثر عاطفي.
وأوضح الملا أن تسارع الأحداث وانتقال الاهتمام الجماهيري يصعب على الأعمال الفنية حفر مكانتها كما في السابق. كما انتقد توجه بعض الأعمال نحو التشبه بإيقاع منصات مثل "نتفليكس"، مما أفقدها الحميمية والحوارات الطبيعية والجلسات العائلية التي كانت تميز الدراما القديمة.
ويرى الملا أن الدراما السورية فقدت الحميمية والعفوية والصدق في الطرح، وحتى الأعمال الجديدة الجيدة تفتقر إلى الصدق أو البعد عن الواقع، مما يؤثر سلبًا على قيمتها. فالأعمال الصادقة والقريبة من الشارع السوري تلامس الناس بعمق.
وأشار الملا إلى أن غياب الواقعية في الأعمال الجديدة أضعف التأثير العاطفي وفقد الجمهور الرابط الإنساني مع الشخصيات، وهو ما كانت تتقنه الأعمال القديمة.
بين الانقسام والصدق
طغت الأحداث الأمنية والظروف الصعبة بعد الثورة السورية على أعمال الدراما السورية على مدار 14 عامًا، حيث لم يخل موسم رمضاني من أعمال تعالج الثورة، وإن اختلفت زاوية المعالجة، مما أدى إلى انقسام الجمهور.
أوضح الملا أن هذه الأعمال انقسمت بين إنتاجات خاضعة لرقابة النظام السابق وأخرى من إنتاج المعارضة السورية. ويرى أن الأعمال التي قُدمت تحت إشراف النظام السابق لم تكن جميعها سيئة، بل احتوت على قصص صادقة ومؤثرة، وكذلك الأعمال التي قدمت من جانب المعارضة عالجت القضايا بصدق.
وأشار الملا إلى أن بعض الأعمال التي تناولت الحرب، مثل "ضبوا الشناتي" و"الندم" و"قلم حمرة" و"غدًا نلتقي" و"كسر عضم"، استطاعت أن تقدم محتوى مقنعًا وقريبًا من الواقع، دون أن تقع فريسة للتجاذبات السياسية.
فقدان الهوية المحلية
تحولت العديد من الأعمال السورية في السنوات الأخيرة إلى دراما مشتركة مع ممثلين من دول أخرى كلبنان ومصر، مما أثار حفيظة الجمهور، ورافق هذا التحول قلة في الأعمال السورية المحلية.
قال الملا إن الأعمال المشتركة أسهمت في ضياع الهوية، فالجمهور يفضل الأعمال المحلية لأن الدراما يجب أن تعكس واقع المجتمع، وبالتالي الأعمال ذات الطابع المحلي أكثر تأثيرًا ومصداقية. وأضاف أنه حين يكون البطل سوريًا يتحدث بلسان حال الناس، يصبح أكثر قربًا للمشاهد السوري، أما الأعمال المشتركة فهي تفقد التماسك وتبتعد عن القاعدة الجماهيرية.
في خضم التغيرات السريعة، تبدو الدراما السورية بحاجة لإعادة اكتشاف نفسها، عبر العودة إلى جذورها، والإنصات لما يريده الجمهور.
تفاعل مشروط
لفت الملا إلى أن الجمهور السوري بات أكثر انتقائية في تفاعله مع الأعمال الجديدة، موضحًا أن هناك قسمًا يتفاعل بإيجابية، وآخر لا يحبذ هذه الأعمال. وأشار إلى أن الجمهور السوري ينتظر أعمالًا تحترم عقله وذوقه، لكن من الصعب الآن رصد تفاعله بدقة لأن المستقبل الدرامي ما زال ضبابيًا.
وعن المطلوب اليوم لاستعادة أثر الدراما السورية، يرى الملا أن الحل يبدأ من النص، ومن ضرورة أن تعكس الحوارات الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يظهر. ويجب أن تكون الأعمال الجديدة صادقة، تلامس الناس، عفوية بلا تصنّع، وعدم التملق، وأن تتضمن الحوار الطبيعي وألا تكون الأحداث أهم من الحوارات، فالحوار يخلق الأثر ويكشف العمق، وهذا ما يجعل العمل ذا قيمة وجدانية تبقى في الذاكرة.