الأربعاء, 3 ديسمبر 2025 09:50 PM

كنوز إدلب تعود: استعادة أكثر من 1400 قطعة أثرية تروي تاريخ الحضارات السورية

كنوز إدلب تعود: استعادة أكثر من 1400 قطعة أثرية تروي تاريخ الحضارات السورية

أعلن وزير الثقافة السوري، محمد الصالح، عن استعادة 1234 رقمًا أثريًا و 198 قطعة أثرية إلى متحف إدلب. تعود هذه الآثار إلى حضارات عريقة ازدهرت في الأراضي السورية.

وفي مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء 3 كانون الأول، أوضح الوزير أن استعادة هذه القطع الأثرية جاءت بفضل الجهود الوطنية وتعاون الأهالي مع الوزارة. وأشار إلى أن محافظة إدلب تعتبر من أهم مواقع الذاكرة السورية، وأن استعادة هذه الآثار تؤكد على دورها المحوري في الحفاظ على الهوية الثقافية.

وشدد الصالح على أن استعادة الآثار المفقودة خلال الحرب تعادل استعادة الهوية الثقافية لسورية، مؤكدًا أن الحفاظ على الهوية الثقافية والتراث الحضاري لسوريا هو خط أحمر. وأضاف أن العمل جارٍ لإعادة جميع المقتنيات الأثرية التي فقدتها البلاد خلال سنوات الحرب.

وأشاد الوزير بوعي أهالي إدلب منذ بداية الثورة السورية، حيث أدركوا أن نظام الأسد الذي استهدف المدن والمستشفيات لن يتردد في استهداف المتاحف والمواقع الأثرية. وقد دفع ذلك الأهالي إلى حفظ عدد كبير من الرقم والقطع الأثرية العائدة لمملكتي “إيبلا” و”ماري” في مستودعات خاصة.

وأشار إلى أن استهداف قوات الأسد لمتحف إدلب أدى إلى تضرر الجدران الواقية والممرات المخصصة لحماية المقتنيات الأثرية، مما تسبب في فقدان عدد من القطع لفترة طويلة. ولكن بعد سقوط النظام، تمكنت وزارة الثقافة من الوصول إلى أماكن وجود هذه المقتنيات واستعادتها.

يعود تاريخ بعض القطع الأثرية إلى حوالي 3200 عام قبل الميلاد، وهي مرتبطة بمملكتي “ماري” و”إيبلا” وحضارات “أشور” و”سومر” و”أكاد”. وتعتبر هذه القطع مصدرًا هامًا لدراسة الجوانب الدينية والقانونية والدبلوماسية والسياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك المراحل.

وأكد وزير الثقافة أن سوريا صاحبة حضارة ضاربة في عمق التاريخ وهوية أصيلة لا تسمح بالمساس بها، وأنها ليست بحاجة إلى بنائها من جديد بل إلى كشف الغبار الذي تراكم عليها في زمن الحرب.

من جانبه، ذكر محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، أن العمل جارٍ بالتعاون مع وزارة الثقافة لإعادة تأهيل متاحف إدلب ومعرة النعمان بما يضمن صون الإرث الحضاري الفريد الذي تمتاز به المحافظة. وأشار إلى أن إدلب تحتضن ما يقارب ثلث آثار سوريا، مما يجعل من مسؤولية الحفاظ عليها أولوية وطنية.

وتعتبر محافظة إدلب الواقعة شمال غربي البلاد من أغنى المحافظات السورية بالآثار الموغلة في القدم، والتي تعود إلى حقب مختلفة وحضارات عاشت فيها منذ الألف الخامس قبل الميلاد، وتتبع للفترات الآرامية واليونانية والرومانية والآشورية والبيزنطية والإسلامية المختلفة، وبعضها مدرج على لائحة التراث العالمي.

مدير متحف “إدلب”، أيمن النابو، ذكر في عام 2021 أن إدلب تحتضن ما يزيد على ألف موقع أثري، منها 760 موقعًا أثريًا مسجلًا بقرارات وزارية سابقة، كما تضم 40 قرية أثرية تشكل خمس "باركات" مسجلة على لائحة التراث العالمي. وتعود هذه المواقع الأثرية إلى حقب زمنية مختلفة من عصور ما قبل التاريخ مرورًا بفترة الشرق القديم والفترة الكلاسيكية وحتى الفترة الإسلامية المتأخرة.

وأضاف النابو أنه وخلال سنوات الحرب الماضية تعرضت المناطق الأثرية ومواقع الإرث الإنساني إلى انتهاكات عديدة، يتمثل أولها بقصف الطيران الحربي والبراميل المتفجرة الذي لم ينج منه حتى المتاحف كمتحف “معرة النعمان” ومتحف “إدلب” ومواقع المدن المنسية.

ويضاف إلى ذلك الزحف العمراني الحديث على المواقع الأثرية، لا سيما بعد موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المنطقة ولجوء الكثير من العائلات إلى المواقع الأثرية للاحتماء بها أو لاتخاذها سكنًا، وهو ما أسفر عن إضافة كتل سكنية تشوّه الواقع الأثري الموجود في المحافظة.

فضلًا عن تكسير حجارة المواقع الأثرية العائدة للفترة الكلاسيكية أو المدن المنسية، لاستخدامها في الأبنية الحديثة أو للاستفادة من بيعها والاتجار بها، وهو ما يمكن اعتباره ضررًا جسيمًا جدًا قد يؤدي في حال استمراره إلى اختفاء مواقع أثرية بأكملها عن الوجود.

وأوضح النابو أن حرم الآثار يفترض أن يكون على مسافة مئتي متر منها، إلا أن عمليات البناء تتم بجانبها مباشرة، وفي بعض الحالات تمت إزالة قبور وغيرها من الأماكن الأثرية لإقامة بيوت مكانها، ولم يتبق منها أي معلم أثري، مثلما حدث في بلدة “كوكانايا” بريف إدلب، كما تظهر معالم تكسير الحجارة بشكل واضح في كنيسة “كوكانيا” وموقع “باقرحها” في منطقة بابزقا، وغيرها الكثير من المواقع.

وعلاوة على ذلك، يشكل التنقيب العشوائي من قبل لصوص الآثار أحد الانتهاكات الحاصلة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اختلاط السويات الأثرية، لا سيما عندما يتم استخدام الآليات الثقيلة مثل الجرافات في عمليات الحفر، إذ إنها تؤدي إلى تخريب كلي للمكان، وتتسبب بالإيذاء كيفما تحركت، أما عمليات التنقيب الفردي التي تتم بمعدات يدوية، فهي لا تتسبب بتخريب المواقع الأثرية من الخارج، كما يقوم القائمون عليها بطمر الحفر العميقة حتى يتفادوا التسبب بضرر للأرض بحضور أصحابها، وفقًا للنابو.

مشاركة المقال: