الثلاثاء, 15 يوليو 2025 07:47 PM

المقاومة في غزة تربك إسرائيل: كمائن نوعية تفضح عجز الاحتلال

المقاومة في غزة تربك إسرائيل: كمائن نوعية تفضح عجز الاحتلال

على الرغم من الخسائر والضغط المستمر، تواصل المقاومة في غزة تنفيذ كمائن نوعية تربك جيش الاحتلال وتكشف عجزه عن تحقيق الحسم بعد مرور 21 شهراً على الحرب.

تثار التساؤلات باستمرار حول قدرة المقاومة على توجيه ضربات ميدانية مؤثرة، بعد 647 يوماً من القتال في قطاع غزة، حيث فقدت الصفين الأول والثاني من قيادتها التاريخية والميدانية، واستُنزفت قدرات عسكرية كبيرة.

على سبيل المثال، شهدت المواقع الإخبارية الإسرائيلية أمس سلسلة من الأحداث الأمنية المتلاحقة. وذكر موقع «حدشوت بزمان» أن المقاومة تمكنت من تنفيذ أربعة كمائن متتالية استهدفت القوات المتوغلة في أربعة مناطق متباعدة: الأول في جبل الريس بحي التفاح شرقي مدينة غزة، والثاني في مدينة خانيونس، والثالث في مخيم جباليا، والرابع في حي الشجاعية.

وعلى إثر ذلك، شهدت مواقع المستوطنين والمنصات الإخبارية غير الرسمية حالة من "الندب"، مع طلب الصلوات والدعوات لجنود العدو. وفي الكمين الذي تعرض له لواء «ناحال» في حي التفاح، فعل جيش الاحتلال إجراء «حنيبعل» لإجهاض محاولة أسر، في حين نفذت الطائرات الحربية عشرات الغارات والأحزمة النارية، وتشاركت معها وسائط المدفعية في صناعة ستار دخاني كثيف لتطويق تداعيات الهجوم.

ويشير إقرار الجيش، مساء أمس، بمقتل 3 جنود وتخليص أحدهم من الأسر والعثور على جثته قتيلاً بعد ساعات من البحث عنه، إلى أن الحدث تجاوز مجرد إطلاق قذيفة مضادّة للدروع على آلية كان يتحصّن فيها الجنود، ووصل إلى التحام مباشر من مسافة قريبة جداً، أفضى إلى اختطاف أحد الجنود من دبابته حياً، ليُقتل لاحقاً في قصف جوي.

وصفت المجموعات الإخبارية هذا الكمين بـ "الكارثة"؛ وكتب موقع «مفزاكي راعم» العبري أن «مقاتلي حماس يواصلون ذبح جنودنا يوماً بعد آخر، إنه عار»، وهو ما يدل على مدى تأثير الضربات التي تسددها المقاومة بشكل شبه يومي على البيئة الداخلية لمجتمع الاحتلال.

وفي السياق نفسه، يشير المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع، إلى أن «زمن غزة لا يشبه أي زمن آخر. النضال الشاق ضد الأنفاق، التي لا تزال تفاجئ في حجمها وعمقها وتعقيدها، يرافق قوات لواء ناحال منذ 21 شهراً في القتال. يواجه الجيش صعوبة في إيصال الرسالة المفهومة جيداً من الميدان: هذه مهمة شاقة وخطيرة».

ويضيف أن «حماس تتعلم أساليب العمل وتحاول تعطيل المعدات. قد يخرج مقاتل من نخبة حماس من فتحة مخفية ويضع عبوة ناسفة من دون أن يلاحظه أحد، وفجأة نسمع إنذاراً جراء إطلاق قذائف هاون. لا يوجد مكان للجنود للاختباء».

أما «معهد دراسات الأمن القومي»، فيؤكد أن «الجيش يواجه واحدة من أخطر أزمات القوى البشرية في تاريخه، إذ إنه بحاجة إلى عشرات آلاف الجنود في ظل الاستنزاف والقتال على جبهات متعددة».

صحيح أن المبالغة في تقديم التوصيفات والحديث عن حرب استنزاف بالمعنى التقليدي لذلك المفهوم، فيها مجانبة للواقع الحقيقي، بالنظر إلى فارق القوة والمقدرات التكنولوجية ووسائل التدمير، وبالنظر أيضاً إلى أن نسبة القتلى من جنود الاحتلال بالقياس مع عديد القوات البرية المهاجمة، لا تكاد تُذكر، ويتهاوى المقياس أكثر إذا ما قورن عدد قتلى العدو بأعداد من يُستشهدون يومياً في المجازر الجماعية.

فعل جيش الاحتلال إجراء «حنيبعل» لإجهاض محاولة أسر جنود

غير أن ما يحدث أكبر من لغة الأرقام، وهو يتعلق بجانبين: الأول هو المأمول إسرائيلياً من الجيش الأكثر قوة وفتكاً وتطوراً وقدرة تكنولوجية في الشرق الأوسط، والذي يواجه منذ 21 شهراً مجموعات مسلحة بإمكانات محدودة صنعت سلاحها بجهود ذاتية وإمكانات محلية، ولا تمتلك خطوط إمداد، ولم تستطع منذ بداية الحرب التقاط أنفاسها؛ والثاني، هو انحدار مستوى الاستعداد في داخل مجتمع الاحتلال لتقديم مزيد من التضحيات، في ظل الخسائر البشرية المستمرة في حرب لا تاريخ نهاية لها، علماً أنه كان من المأمول، بالنظر إلى حجم الإنفاق والاستنزاف والضغط العسكري، أن يتمكن جيش العدو من كسر إرادة القتال، أو وفق ما ردده وزير مالية الاحتلال، بتسليئيل سموتريتش، «تركيع حماس وإجبارها ليس على رفع الراية البيضاء فقط، بل استجداء أي حلول يمكن طرحها على طاولة التفاوض من دون أدنى قدر من المناقشة».

وإذ يطرح في الاستوديوهات العبرية قدر كبير من محاولات تحليل طرائق القتال وقرارات الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، ومن الكمون إلى الفعالية، فإن الواقع الحالي أسهمت فيه جملة من العوامل، وفي مقدمتها:

  • دخول الحرب في مرحلة صفرية، حدد فيها العدو هدف القضاء على المقاومة. وفي حالة كهذه، يأخذ القتال من جهة الأخيرة أعلى سمات الاستعداد للتضحية، في مقابل جيش يأخذ بأعلى مستويات الحيطة والخوف من وقوع خسائر بشرية. وهذا الميزان ترجح كفته لمصلحة المقاومة حتماً.
  • كسرت عملية 7 أكتوبر كل الحواجز النفسية بين المقاتلين وجنود الاحتلال وآلياتهم، وأضحى الالتحام المباشر، بل حتى الاقتتال بالأيدي والسلاح الأبيض، عملاً لا يحتاج إلى جنود نخبة، وإنما سلوك يقوم به كل العناصر.
  • تشرب المقاومون خلال 20 شهراً من الحرب سيكولوجيا الجنود، وخطط الجيش، وبروتوكولات التقدم والتراجع وإخلاء المصابين، وحصلوا فعلاً على وثائق وإرشادات تركها الجنود خلفهم في مواقع القتال، أسهمت في تشكيل دراية كاملة بمسرح العمليات، ما أسهم في تقدم المقاتلين خطوة أو خطوات.
  • أسهمت شبكة الأنفاق الشديدة التعقيد والتداخل، وعمليات الصيانة المستمرة لبعض الخطوط المدمرة، في منح المقاومين أفضلية في مسرح الهجوم. ووفقاً لتقييمات الميدان الإسرائيلية، فإن المقاتل يخرج من فتحة نفق قد تكون جهزت خصيصاً لمهمة بعينها، ولا تبعد عن تمركز جنود العدو سوى بضعة أمتار، ويقوم بمهمته في حيز مكاني يصعب استهدافه من الجو، ثم يعاود الاختباء والانسحاب في غضون دقائق معدودة.
  • تطويع الإمكانات المحدودة المتاحة في نسق مؤثر ومؤذ، وهو العبوات الناسفة، التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المتفجرات. فعبوة «شواظ» مثلاً الذي تسببت بمقتل 7 جنود في مدينة خانيونس، تزن مع إطارها المعدني 25 كيلوغراماً فقط، ما يعني أنها تحتاج إلى أقل من 10 كيلوغرامات من مادة شديدة الانفجار لتدمير دبابة. وببساطة أكثر، تكفي السيطرة على صاروخ ألقته طائرة «إف 16» ولم ينفجر، لصناعة 50 عبوة ناسفة. وهكذا، تدمج المقاومة بين العنصر البشري الشديد الفعالية والمستعد للتضحية، والإمكانيات المحدودة، في إنجاز فعل ميداني كبير ومؤثر.
  • أخيراً، سمح استنزاف عملية «مركبات جدعون» لنفسها، بانتقال مهمة القوات المنتشرة في المناطق الشرقية لقطاع غزة من الهجوم والمبادرة، إلى الانكفاء والدفاع، خصوصاً أن عمليات تدمير ونسف مساحات واسعة من الكتلة العمرانية، أعطت المقاومين هامش الرصد الدقيق لحركة دبابات العدو وتموضعها، ومنحتهم أيضاً، أفضلية تحويل الوجود الطويل والتمركز والخمول في المناطق المدمرة، إلى عبء على العدو، من خلال توفير فرص أكبر للاستهداف والإغارة من قبل المقاومة. وهنا، تتحول فكرة الاستحواذ على الأرض بقوة النار فقط، إلى ضرب من الخيال؛ إذ لا جيش في العالم، بوسعه تشغيل أنظمة الرقابة والحماية والسيطرة على مدار الساعة، ولا بد من ثغرة أو لحظة غفلة في الوقت الطويل، تلتقطها المقاومة دائماً لتسديد الضربة.
مشاركة المقال: