في لحظة تاريخية حرجة تمر بها سوريا، تحولت محافظة السويداء من رمز للصمود إلى نقطة التقاء للنزاعات الداخلية والمخططات الخارجية، حسبما يرى الدكتور سلمان ريا. الأحداث الأخيرة ليست مجرد اشتباكات محلية، بل هي بمثابة صدمة وطنية تهز أركان الدولة والمجتمع.
اقتتل أبناء البلد الواحد تحت مسميات فرعية، بينما حلقت الطائرات فوق دمشق بذريعة "الوصاية الأخلاقية". لم يكن الاختراق للسماء فقط، بل للسيادة بأكملها. وكما هو معتاد، تتدخل إسرائيل عندما ينشغل السوريون بصراعاتهم الداخلية. الضربات الإسرائيلية المركزة التي وصلت إلى قلب العاصمة تحمل رسالة واضحة: الداخل منقسم، والدولة عاجزة عن الرد، والمجتمع في أضعف حالاته.
تحت ستار "حماية الأقليات"، تُصاغ مشاريع خارجية لا تهدف إلى الحماية، بل إلى تفريغ الوطن من محتواه وتحويل الطوائف إلى مجرد رايات ومناطق. السويداء ليست جزيرة منعزلة، ولا طائفة مهمشة، بل جزء لا يتجزأ من الروح السورية التي لا تكتمل إلا بجميع أبنائها.
يزيد من خطورة الوضع هذا الصمت المريب والبيانات التي تدين دون فعل، وتتحرك بلا رؤية واضحة. الدولة التي لا تستبق مثل هذه الأزمات بالحوار والتنمية والتكامل، تترك فراغًا تستغله الفتنة. ومن يسلم إدارة مناطقه لرجال الدين وحدهم، يعترف ضمنيًا بفشل السياسة وضعف التخطيط.
ومع ذلك، لم يضع الوطن بعد. لا تزال هناك فرصة للخلاص، شريطة استعادة الخطاب الوطني الجامع ورفع اليد عن المجتمع الأهلي ليعيد بناء نفسه على أساس العيش المشترك لا العيش المتفجر. ما يحدث في السويداء اليوم ليس انقسامًا، بل اهتزاز في البوصلة الوطنية. والحل ليس بالحملات الإعلامية أو التحشيد الطائفي المضاد، بل بإجراءات صادقة تبدأ بوقف تهجير العشائر، وإنهاء المقاطعات، وفتح قنوات الحوار الأهلي برعاية وطنية حقيقية.
إسرائيل، في كل تدخلاتها، لا تسعى لإنقاذ أحد، بل لتمزيق ما تبقى من وحدة سوريا. دورها في الجنوب ليس وليد اليوم، لكنها وجدت في الصراعات الداخلية فرصة سانحة لتظهر وتقدم حمايتها المسمومة.
لنكن صريحين: أخطر ما يهدد سوريا اليوم ليس العدو الخارجي، بل ضعف المناعة الداخلية، عندما يتحول الدم إلى لغة، والكراهية إلى برنامج عمل، والخوف إلى هوية بديلة.
إلى أهلنا في السويداء، يا من كتبتم تاريخًا من الكبرياء الوطني، لا تسمحوا لمن يريد عزلكم عن سوريا أن يتحدث باسمكم. كونوا كما عهدناكم، حماة العقل، وفرسان الوحدة، وصوت الضمير.
وإلى السوريين جميعًا: لا تتركوا الجبل وحده. فالوطن لا يُقسَّم كما لا يُقاطَع. الجراح لا تُشفى بالقطيعة، بل بالتضميد والاعتراف والاحتضان.
في النهاية، لن تقوم لسوريا قائمة ما لم ترتقِ إلى مستوى المصارحة والمصالحة بين الدولة ومجتمعها، بين المدن وهوامشها، بين الطوائف ومشتركاتها.
ألم يحن الوقت، بعد كل هذه المعاناة، أن تفتحوا قلوبكم للحب والحياة؟ ليس هذا بيت شعر، بل نداء سياسي وطني أخير. فإما أن نصغي لصوت الوطن، أو نواصل السقوط في الهاوية التي صنعناها بأيدينا.
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)