كشف فريق بحثي متخصص في علوم اللغة والتقنيات الرقمية عن تأثير ملحوظ لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا ChatGPT، على طريقة تحدث الناس اليومية.
انطلق الباحثون من فرضية مفادها أن تكرار أنظمة الذكاء الاصطناعي لكلمات معينة في نصوصها أدى إلى انتقال هذه الكلمات إلى أحاديث البشر، مما أثر على طريقة كلامهم في مختلف البيئات.
اعتمد الفريق على تحليل أكثر من مليون ساعة من المواد الصوتية، شملت فيديوهات منشورة على يوتيوب وحلقات بودكاست، لرصد التغيرات في تكرار بعض الكلمات والتعابير الجديدة بعد انتشار استخدام ChatGPT.
اختبر الباحثون من «معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية» في برلين، ألمانيا، النصوص الناتجة من الذكاء الاصطناعي، وحددوا مجموعة كلمات ظهرت بشكل متكرر في النصوص المحسنة آليًا، مثل delve وrealm وmeticulous. ثم فحص الفريق تكرار هذه الكلمات في المواد المسجلة قبل انتشار ChatGPT وبعده.
لاحظ الباحثون أن المفردات الجديدة ظهرت بكثرة ضمن الحوارات العفوية ومحتوى البودكاست، ولم تقتصر على النصوص المعدة مسبقًا. واستخدم الناس هذه الكلمات في نقاشاتهم اليومية دون الانتباه إلى مصدرها الأصلي.
أظهرت البيانات أن الذكاء الاصطناعي أحدث تأثيرًا ثقافيًا متسارعًا، حيث نقلت الخوارزميات مفردات جديدة إلى المستخدمين، الذين التقطوها بسرعة وأعادوا إنتاجها في محيطهم، وأدخلوها ضمن اللغة اليومية. وقد لاحظ العاملون في الإعلام والتعليم والمجالات التقنية هذه الظاهرة بوضوح.
استعمل الطلبة كلمات وتقنيات تعبيرية لم تظهر سابقًا في جيلهم، وأنتج المدرسون شروحات تطابقت مع أساليب الذكاء الاصطناعي دون وعي مسبق. واعتمدت الشركات نصوصًا جاهزة وقوالب جديدة، ونشرت هذه الأنماط بين الموظفين.
استعرض الباحثون ظاهرة «التغذية العكسية» بين البشر والآلة، حيث درّب البشر نماذج الذكاء الاصطناعي على نصوصهم وأسلوبهم، ثم قدمت لهم الآلة تركيبات لغوية جديدة ومفردات منتقاة. والتقط المستخدمون هذه التوليفات اللغوية وأضافوها إلى أسلوبهم. وأظهرت الأنماط الجديدة سرعة كبيرة في الظهور في خطابات المشاهير والمؤثرين وصناع المحتوى.
تحول الذكاء الاصطناعي من أداة إنتاج إلى قوة شكلت الوعي الجمعي، وأعادت تشكيل لغة المجتمع.
أوضحت النتائج أن التغيير لم يقتصر على المظاهر السطحية أو المفردات المعزولة، بل تغيرت حركة النقاش اليومي، وتبدلت البنية الذهنية للخطاب في كثير من المجالات.
ظهرت كلمات الذكاء الاصطناعي في النقاشات السياسية، وفي شروحات العلوم، وفي سرد القصص. واعتمدت البرامج الحوارية والإذاعات مفردات ولدتها خوارزميات آلية أولاً، ثم انتقلت إلى ألسنة الضيوف والمقدمين.
رصد الباحثون أيضًا ميلًا جماعيًا إلى تبني المفردات التي تحمل طابعًا «علميًا» أو «احترافيًا»، بسبب ارتباطها بفكرة أن الذكاء الاصطناعي أداة متقدمة وحديثة.
سعى الأفراد إلى مواكبة هذه الفكرة، فاستخدموا نفس الأنماط في خطابهم اليومي، حتى في النقاشات غير الرسمية.
أسهم انتشار هذه الظاهرة في تقليص الفروقات بين لغة النخبة ولغة الشارع، لأن الآلة قدمت المفردات نفسها لكل المستخدمين دون تمييز.
يحذر المتخصصون من احتمال تراجع التنوع اللغوي مع تصاعد هيمنة الذكاء الاصطناعي على إنتاج الخطاب. ولاحظ بعضهم أن المفردات المحلية تراجعت، وأن التعبيرات الأصلية لمناطق وجماعات معينة انحسرت. ودخلت لغة الآلة كل المساحات: الإعلام، التعليم، الحياة اليومية، وفرضت إيقاعًا جديدًا على عملية التفكير والتحليل والتواصل.
كشفت النتائج أن البشرية دخلت مرحلة جديدة، فتداخلت أصوات الناس مع الإنتاج اللغوي للذكاء الاصطناعي، وصار يصعب أحيانًا التمييز بين الأصل والنسخة.
اعتمد ملايين الأشخاص على تلك الأنظمة في أعمالهم، وخضعوا لتأثيرها الثقافي دون وعي مباشر. وأعادت المجتمعات تشكيل لغتها تحت ضغط التكنولوجيا، واكتسبت هوية جديدة في ظل هذا التفاعل اليومي مع برامج الذكاء الاصطناعي. وتؤكد البيانات أن هذا التغيير أصبح واقعًا، ويواصل صياغة ملامح اللغة والثقافة معًا.