الإثنين, 18 أغسطس 2025 12:38 AM

السويداء: تفاصيل معركة معقدة تكشف أزمات سوريا المتفاقمة وتدخلات إقليمية

السويداء: تفاصيل معركة معقدة تكشف أزمات سوريا المتفاقمة وتدخلات إقليمية

وسيم العدوي | بيسان خلف | لمى دياب | محمد كاخي - عُرفت محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، بموقفها المحايد في النزاع السوري منذ عام 2011. ورغم تجنبها المواجهات المباشرة بين النظام والمعارضة، تأثرت بتداعيات الحرب، مثل الفراغ الأمني والأزمات المعيشية. أدى ذلك إلى ظهور فصائل مسلحة محلية وحراك مدني يطالب بالإصلاح وإسقاط النظام منذ عام 2021.

في صيف 2025، تغير الوضع جذريًا بعد حادثة اختطاف وسرقة على طريق دمشق-السويداء، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة بين فصائل محلية ومجموعات عشائرية، وتدخل الدولة عسكريًا. بعد دخول وانسحاب قوات وزارتي الدفاع والداخلية، إثر ضربات جوية إسرائيلية، تحولت السويداء إلى ساحة نزاع إقليمي ومحلي معقد، وسط تضارب الأجندات وعجز الفاعلين المحليين عن السيطرة على الوضع.

أظهرت أحداث السويداء، وأحداث الساحل سابقًا، أن الأزمات العميقة في المجتمع السوري لم تنتهِ بسقوط النظام وانتهاء الحرب، بل تتفاقم. يتناول هذا الملف الصحفي تطورات الأحداث، بدءًا من المواجهات في منتصف تموز، مرورًا بالتدخلات الدولية والإسرائيلية، وصولًا إلى الاتفاق الذي رعته أطراف إقليمية ودولية، والذي يبدو أنه كرس التدويل وتقاسم النفوذ بدلًا من بسط السيادة. كما يسلط الضوء على الخسائر البشرية، والانتهاكات، ومواقف الشيوخ والفصائل، وتوازنات القوى الجديدة، ويطرح تساؤلات حول مستقبل السويداء ووحدة سوريا.

الحل العسكري

بعد تداول أنباء عن اتفاق بين الدولة وشيوخ السويداء يسمح بدخول قوى الأمن واستئناف عمل المؤسسات الحكومية، تجدد التوتر في 12 تموز، بسبب حادثة سلب واختطاف أحد أبناء السويداء على طريق دمشق، مما أدى إلى عمليات خطف انتقامية. استنفرت فصائل محلية ومجموعات من البدو غرب السويداء، ووقعت اشتباكات متفرقة في حي المقوس شرقي المدينة في 13 تموز، ثم تحولت إلى اشتباكات متبادلة بالأسلحة.

دفعت المواجهات قوات وزارتي الدفاع والداخلية إلى دخول السويداء، حيث تم التوصل إلى اتفاق برعاية مشيخة العقل ممثلة بالشيخ يوسف الجربوع وفعاليات المدينة، يقضي بانتشار قوى الأمن الداخلي في المحافظة. لكن الاتفاق لم يرضِ تيارات أخرى تتهم القوات الحكومية بارتكاب جرائم وانتهاكات، فشنت هجومًا مضادًا بتغطية جوية إسرائيلية استهدفت نقاطًا للحكومة في درعا والسويداء ودمرت مبنى الأركان في دمشق وقصر الرئاسة، مما أدى إلى انسحاب القوات الحكومية من السويداء.

عقب الانسحاب الحكومي، شنت فصائل محلية هجومًا انتقاميًا ضد عشائر البدو في السويداء، مما أدى إلى تعبئة عشائرية من أبناء القبائل في أغلب المناطق السورية، الذين توجهوا إلى السويداء وبدؤوا معارك مسلحة ضد الفصائل المحلية. ورصدت عنب بلدي انتهاكات واسعة النطاق من قبل الفصائل المحلية والقوات الحكومية ومقاتلي العشائر خلال المواجهات.

في 19 تموز، أعلن المبعوث الأمريكي، توماس براك، عن اتفاق سوري-إسرائيلي لوقف إطلاق النار، تبنته تركيا والأردن وجيرانهما، وأكده الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مطالبًا مقاتلي العشائر بالالتزام بالاتفاق. وبدأ انتشار قوات الأمن في محيط مدينة السويداء، وسط انسحاب تدريجي لمقاتلي العشائر.

بنود الاتفاق

بحسب وزارة الداخلية السورية، ينص الاتفاق المعلن في 19 تموز، برعاية أمريكية، على:

  • وقف شامل لإطلاق النار ووقف العمليات العسكرية بجميع أشكالها من جميع الأطراف.
  • تشكيل لجنة مراقبة مشتركة، من ممثلين عن الدولة السورية والمشايخ لمراقبة وقف إطلاق النار.
  • نشر حواجز أمنية مشتركة في مدينة السويداء والمناطق المجاورة لتعزيز الأمن.
  • الاستعانة بضباط وعناصر من أبناء محافظة السويداء لتولي المهام الأمنية والإدارية.
  • احترام حرمة المنازل والممتلكات ومنع الاعتداء أو التجاوز على أي منطقة داخل السويداء.
  • التوافق على آلية لتنظيم السلاح الثقيل والخفيف بالتعاون مع الوزارات المعنية، بما يضمن إنهاء مظاهر السلاح خارج الدولة مع مراعاة الخصوصية الاجتماعية والدينية للسويداء.
  • تحقيق الاندماج الكامل لمحافظة السويداء ضمن الدولة السورية، واستعادة السيادة الكاملة على أراضيها وتفعيل مؤسسات الدولة فيها.
  • إعادة تفعيل جميع مؤسسات الدولة في السويداء، وفقًا للأنظمة والقوانين السورية.
  • العمل على ضمان حقوق جميع المواطنين من خلال قوانين تضمن العدالة والمساواة وتعزيز السلم الأهلي.
  • تشكيل لجنة مشتركة لتقصي الحقائق والتحقيق في الجرائم والانتهاكات وتحديد المسؤولين عنها، وتعويض المتضررين.
  • تأمين طريق دمشق-السويداء من قبل الدولة، وضمان سلامة المسافرين.
  • العمل الفوري على توفير الخدمات الأساسية بما فيها الكهرباء والمحروقات والخدمات الصحية.
  • إطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين في الأحداث الأخيرة.
  • تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق.

الباحث في الشؤون العسكرية رشيد حوراني قال إن الحل العسكري لم يكن الأنسب، لكن الدولة قدمت عروضًا للسويداء منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024، ووقف الشيخ حكمت الهجري في وجهها، وهناك أصوات تحمله مسؤولية انسداد الأفق مع دمشق. ويبدو أن الاستحقاقات والمطالب الخارجية المتعلقة بالعقوبات عجلت بمحاولة الدولة حل المسألة عسكريًا. ويرى حوراني أن الضربات الجوية الإسرائيلية لم تكن مؤثرة لعدم كثافتها، وأن إسرائيل تنفذها لأغراض داخلية وليست كطرف رئيس في المعركة.

غرفة عمليات.. حصيلة أولية للضحايا

استقبلت وزارة الصحة السورية 1698 حالة إصابة نتيجة أحداث السويداء، بينها 425 حالة حرجة، وتم نقل 1022 حالة لبقية المحافظات. وبلغ عدد القتلى الواصلين إلى المستشفيات الرسمية 260 شخصًا، بحسب بيان لوزير الصحة، مصعب العلي، في 18 تموز. بينما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 321 سوريًا، بينهم 6 أطفال و9 سيدات، وإصابة ما يزيد على 436 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في محافظة السويداء، خلال الفترة من 13 تموز وحتى 18 تموز.

أوضحت الشبكة أن الحصيلة تشمل ضحايا من المدنيين، بمن فيهم أطفال وسيدات وأفراد من الطواقم الطبية، إضافة إلى مقاتلين من مجموعات عشائرية مسلحة من البدو، وأخرى محلية خارجة عن سيطرة الدولة من أبناء المحافظة، إلى جانب عناصر من قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع التابعة للحكومة الانتقالية السورية.

صرح المكتب الإعلامي لفرق الدفاع المدني، لعنب بلدي، أن وزارة الطوارئ والكوارث شكلت غرفة عمليات مشتركة منذ بداية الأحداث في السويداء، تضم ممثلين عن الوزارات والمؤسسات الحكومية، والدفاع المدني السوري، ومنظمات محلية إنسانية ومؤسسات خدمية. وجهزت وزارة الصحة قافلة طبية طارئة، مؤلفة من 20 سيارة إسعاف، وفرقًا طبية متخصصة، وكميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات، إلا أن القصف المكثف حال دون دخولها إلى المحافظة، حفاظًا على سلامة الكوادر، مع بقاء القافلة على جاهزية تامة للدخول فور توقف إطلاق النار وتأمين ممرات آمنة، بحسب وزير الصحة.

قالت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، إن الوزارة على استعداد لإرسال المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية لتحقيق الاستجابة المثلى لنداءات الأهالي في جنوبي سوريا، وسيتم إرسال المساعدات بالتعاون مع مكتب التعاون الدولي في وزارة الخارجية والمنظمات الفاعلة، موضحة أن الوزارة على أتم الجاهزية للتنسيق مع الجهات الطبية والإغاثية المختصة للتعامل مع كل المستجدات الإنسانية في المنطقة، وذلك ريثما يتم تأمين الطريق لدخول القوافل بشكل آمن، وفق قبوات. وأشارت قبوات إلى أن قافلة مساعدات وصلت بتنظيم مشترك ما بين وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية إلى الجنوب قبل يومين، لكنها لم تتمكن من دخول محافظة السويداء نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل.

لماذا يدعم العرب الشرع؟

أصدرت عدد من الدول العربية، في 17 تموز، بيانًا مشتركًا رحب بالاتفاق الأولي الذي أنجز وأعلن عنه رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، لإنهاء التوترات في محافظة السويداء. وأعرب وزراء خارجية الأردن، الإمارات، البحرين، السعودية، العراق، عمان، قطر، الكويت، لبنان، مصر وتركيا عبر البيان، ضرورة تنفيذ الاتفاق من منطلق حماية سوريا ووحدتها، وبما يحقن الدم السوري ويضمن حماية المدنيين، وسيادة الدولة والقانون.

أثنى البيان على التزام الشرع بمحاسبة كل المسؤولين عن التجاوزات بحق المواطنين السوريين في محافظة السويداء، وأكدت الدول الموقعة دعمها لكل جهود بسط الأمن وسيادة الدولة والقانون في السويداء وجميع الأراضي السورية، ونبذ العنف والطائفية ومحاولات بث الفتنة والتحريض والكراهية.

المحلل السياسي حسن النيفي، قال لعنب بلدي، إن بيان التأييد للدول العربية بدعم جهود الشرع في إنهاء أزمة السويداء، يأتي في سياق الموقف السابق لهذه الدول وفي مقدمتها دول الخليج بدعم الأمن والاستقرار في سوريا خاصة في مرحلتها الوليدة. ويرى النيفي أن ما يجري الآن في سوريا سينعكس على الحالة الأمنية بشكل عام، لذلك التأييد هذا ليس ضد مكون سوري وليس تأييدًا لمسألة فرعية، وإنما يأتي في سياق التأييد العام لأمن واستقرار سوريا.

ويعتقد أن هذا التأييد لم يكن مجرد كلام في بيان أو ضمن سياقات نظرية فحسب، وإنما تجسد بجهود واضحة لإنهاء الأزمة، هذه الجهود لم تتجلَ بدعم عسكري مباشر أو تدخل في الشأن السوري، وإنما من خلال ضغط بعض الدول العربية التي لديها نفوذ للولايات المتحدة الأمريكية لكبح جماح إسرائيل عن التدخل في سوريا.

أدان البيان المشترك الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، وعبر عن رفض الدول الموقعة عليه لهذه العمليات بصفتها خرقًا للقانون الدولي، وتمثل اعتداء سافرًا على سيادة سوريا، ما يزعزع أمنها واستقرارها ووحدة وسلامة أراضيها ومواطنيها. ودعا البيان المجتمع الدولي إلى دعم الحكومة السورية في عملية إعادة البناء، وأن يتحمل مجلس الأمن مسؤولياته القانونية والأخلاقية لضمان انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي السورية، إضافة إلى دعوات وقف جميع الأعمال العدائية الإسرائيلية على سوريا والتدخل في شؤونها، وتطبيق القرار “2766”، واتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.

أوضح المحلل السياسي حسن النيفي أن القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى هيئة الأركان بدمشق، أثار حفيظة تركيا وبعض الدول العربية بما فيها السعودية، لممارسة المزيد من الضغط على إسرائيل من أجل وقف عدوانها. من جهتها، أعلنت الخارجية الأمريكية أنها “لم تدعم” الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، في 17 تموز، “نحن منخرطون دبلوماسيًا مع إسرائيل وسوريا على أعلى المستويات، لمعالجة الأزمة الحالية والتوصل إلى اتفاق دائم بين الدولتين”.

بينما أبدى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قلقه إزاء التقارير التي تتحدث عن عمليات قتل عشوائية للمدنيين، ونهب الممتلكات الخاصة، وأدان جميع أشكال العنف، وحثّ السلطات المؤقتة والقادة المحليين على خفض التصعيد، وحماية المدنيين، والتحقيق بشفافية ومحاسبة المسؤولين عن الأحداث.

مشاركة المقال: