تستمر مخلفات الحرب في تشكيل خطر يومي على حياة المدنيين في مدينة دير الزور، وخاصة الأطفال الذين يدفعون غالباً الثمن الأكبر.
يعيش الطفل "يزن"، وهو أحد ضحايا الألغام، في عزلة صحية ونفسية قاسية منذ أربع سنوات في أزقة حي العمال، بعد أن فقد قدمه وبصره في انفجار لغم عندما كان في السابعة من عمره.
وقعت الحادثة في عام 2019، عندما خرج "يزن" مع عمه الشاب "أسامة" إلى ملعب المدينة البلدي للعب كرة القدم، لكن طريقهما إلى اللعب تحول إلى مأساة.
تقول الجدة "أم محمود"، التي تتولى رعاية الطفل، في حديث لمنصة: "بينما كانا في طريقهما إلى الملعب، انفجر بهما لغم أرضي، مما أدى إلى فقدان "يزن" قدمه اليمنى وبصره، وإصابة "أسامة" بإصابات خطيرة أدت إلى إزالة نصف كبده بسبب الشظايا".
نُقل "يزن" إلى العاصمة دمشق لتلقي العلاج، حيث خضع لعدة عمليات بتر وتصحيح للقدم، بالإضافة إلى تدخلات جراحية لمحاولة إنقاذ بصره. وتوضح جدته: "عينه اليمنى فقدها تماماً، أما اليسرى فالأطباء قالوا إن هناك أملاً ضئيلاً بإعادتها، لكن العمليات مكلفة جداً، وليس لدينا أي قدرة على تحمل تكاليفها".
بالإضافة إلى مشاكله البصرية، يعاني "يزن" من ضعف حاد في المناعة، مما يجعله عرضة للإصابة بالأمراض باستمرار. وتتابع الجدة قائلة: "كل يوم نخاف عليه من أبسط نزلة برد أو ارتفاع في درجة الحرارة. وضعه الصحي متدهور، وهو بحاجة إلى رعاية طبية مستمرة، لكنه لا يتلقى أي نوع من الدعم، لا من منظمات ولا من جهات حكومية".
وسط الإهمال المستمر، تناشد "أم محمود" المنظمات الإنسانية والطبية التدخل العاجل لتقديم المساعدة لـ "يزن"، من خلال تركيب طرف صناعي بديل، وتأمين علاج للعين التي لا تزال تحمل بصيص أمل. "يزن لا يطلب المستحيل، فقط يريد أن يشعر أنه طفل طبيعي، وأن يمشي ويلعب مثل غيره، وأن يرى الحياة مرة أخرى"، تقول الجدة في سياق حديثها.
في مدينة لا تزال تنزف من جراح حربها الطويلة، تبقى قصة "يزن" واحدة من مئات القصص المؤلمة التي تختصر وجع الأطفال الذين حصدت الحرب طفولتهم وأحلامهم، دون أن تمد إليهم يد العون.
وفي المقابل، وتعليقاً على الجهود المبذولة من فريق الدفاع المدني السوري لتنظيف المنطقة من مخلفات الحرب، أوضح "رائد الحسون"، مسؤول عمليات مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري قائلاً: "بالنسبة لموضوع التلوث في محافظة دير الزور، فإنها تُعد من أكثر المحافظات تعقيدًا من حيث تلوث مخلفات الحرب، وذلك نتيجة انتشار الألغام بشكل واسع بسبب تعدد الفصائل والجيوش التي توالت على المدينة، مما أدى إلى تنوع كبير في أنواع الذخائر المستخدمة فيها. هذا التنوع جعل من التعامل مع هذه المخلفات أمرًا شديد الصعوبة".
وتابع في حديث لمنصة: "للأسف الشديد، لا تزال الاستجابة في هذا المجال محدودة وخجولة من جميع الجهات العاملة في مجال معالجة مخلفات الحرب، وقد قام الدفاع المدني مؤخرًا بتشكيل فريق مسح غير تقني للبحث عن المناطق الملوثة ضمن الأحياء والمجتمعات المدنية، كما قمنا بتشكيل فريق مختص بالتوعية من مخاطر الذخائر غير المنفجرة".
واختتم بالقول: "في المرحلة القادمة، سنقوم بإنشاء مركز متخصص بإزالة مخلفات الحرب داخل مدينة دير الزور، ليكون نقطة انطلاق لجهود أكثر فاعلية واستدامة في هذا المجال".
ومطلع حزيران/يونيو الماضي، أعلنت سوريا عن إطلاق خطة وطنية شاملة تهدف إلى مواجهة "الموت الصامت" الذي لا يزال يهدد حياة المدنيين بسبب الألغام ومخلفات الحرب، وذلك في خطوة تُعد من أبرز التحديات الإنسانية التي تواجه إعادة الإعمار واستقرار المناطق المتضررة. وقال وزير الطوارئ والكوارث في سوريا، "رائد الصالح"، في حوار خاص مع "الجزيرة نت"، إن هذه الخطوة تأتي في ظل استمرار تهديدات الألغام التي زُرعت في مختلف أنحاء البلاد من قبل أطراف متعددة، بما في ذلك القوات الإيرانية ومسلحو تنظيم داعش والنظام السابق والقوات الروسية.