حذّر عدد من أبناء مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي من خطر كبير يهدد واحة تدمر، التي تُعدّ واحدة من أقدم الواحات الزراعية في سوريا. ودعوا إلى تدخل عاجل لإنقاذها من الاندثار، وذلك في ظل التدهور الحاد في مصادر المياه وتراكم آثار الدمار الذي لحق بها على مدى سنوات الصراع.
وأكد الأهالي أن الواحة، التي شكلت عبر التاريخ ركيزة اقتصادية وحضارية للمدينة، تعيش اليوم "أزمة وجودية" قد تهدد بقاء الزراعة والحياة في قلب الصحراء، إذا لم تُتخذ خطوات فورية لإنقاذها. وتُعد واحة تدمر امتداداً طبيعياً للهوية التراثية لمدينة تدمر العريقة، التي وقعت على طريق الحرير القديم. وكانت الواحة تشكل نقطة توقف حيوية للقوافل ومحط اهتمام عبر العصور بسبب خصوبة أرضها ووفرة مياهها النابعة من نبع "أفقا" التاريخي. لكنّ هذه الخصوبة تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، جراء تناقص تدفق النبع وغياب الصيانة وارتفاع معدلات استنزاف المياه الجوفية.
وأشار خالد بهاء الدين، مدير تنسيقية تدمر، إلى أن الواحة "باتت شبه مدمرة ومحروقة"، موضحاً أن بعض البساتين لا تزال تحاول التشبث بالحياة، لكنها تُعاني من انقطاع المياه منذ سنوات، وسط سرقة المعدات الزراعية وتحطيب الأشجار خلال فترات سيطرة النظام منذ عام 2012. وأضاف بهاء الدين أن "الخطر اليوم لا يكمن فقط في نقص المياه، بل في انتشار حفر الآبار العشوائية في المنطقة، ما يؤدي إلى استنزاف الخزانات الجوفية بشكل خطير. الواحة ليست مجرد أرض زراعية، بل إرث حضاري وتاريخي يجب حمايته".
من جانبه، أكد الناشط الإعلامي حمود عبد الله، أحد سكان تدمر، أن الواحة تعرضت لدمار منهجي على مراحل. وأوضح أنه خلال بداية الثورة، كانت تُستخدم كموقع تحصّن، ما جعلها عرضة للقصف من قبل قوات النظام السابق. وتابع أنه مع سيطرة تنظيم داعش على تدمر عام 2015، تعرّضت المنطقة الأثرية والواحة لأضرار بالغة، لكنّ الأسوأ جاء بعد عام 2020، عندما اندلعت حرائق واسعة في الواحة أثناء عودة النظام السابق إلى المدينة، أدت إلى تدمير مساحات شاسعة من الأشجار والبنية التحتية للري. وأضاف عبد الله أن "الواحة اليوم تئن تحت وطأة الإهمال. تم تدمير الآبار، وسُرقت مضخات المياه والغطاسات، وتهرّأت السواقي التي كانت تنقل المياه من النبع إلى البساتين". ولفت إلى أن المزارعين يشكون من نقص تام في الدعم، ولا توجد أي مبادرات حقيقية من قبل وزارة الزراعة أو السياحة لإنقاذ هذا المعلم التراثي الحي".
في ظل هذا الواقع القاتم، أطلقت "رابطة الفلاحين في تدمر" نداء استغاثة، وحددت أربع أولويات لإنقاذ الواحة:
- دعم وتأهيل الآبار القديمة، خاصة بئر "L9"، التي كانت تُعدّ من المصادر الرئيسية للمياه العذبة في الواحة، وتعمل على تغذية النبع.
- إيصال التيار الكهربائي إلى البساتين، لتمكين المزارعين من تشغيل مضخات المياه ليلاً، وتخفيف الضغط عن أوقات الذروة، وتحسين كفاءة الري.
- تعزيل وصيانة الساقية الرئيسية بطول 6 كيلومترات، التي تنقل المياه من نبع أفقا إلى البساتين، والتي أصبحت اليوم مصدراً لتسرب كميات كبيرة من المياه جراء التشققات والانحدارات.
- اعتبار الواحة أولوية بيئية وتراثية وطنية، نظراً لدورها التاريخي، وارتباطها الوثيق بالمدينة الأثرية، ولما تمثله من مصدر رزق لأكثر من خمسين عائلة من المزارعين.
يُنظر إلى واحة تدمر اليوم ليس فقط كمساحة زراعية، بل كجزء من النسيج الحضاري للمدينة. وبحسب المطالبين، فإن "إنقاذ الواحة اليوم هو استثمار في مستقبل تدمر، وليس فقط في عودة الزراعة، بل في إحياء الهوية، ودعم السياحة، وضمان استمرارية الحياة في واحدة من أكثر المناطق جفافاً في سوريا.