يرى العديد من المحللين أن هناك خيوطًا دولية تحرك الأحداث في السويداء، بعضها مرتبط بإسرائيل والآخر بتركيا. يتصاعد التنافس بين تل أبيب وأنقرة للسيطرة على مناطق آمنة في سوريا، بهدف إنشاء مناطق نفوذ وتأمين خطوط التجارة والنقل. وقد تجلى هذا التنافس في اشتباكات بين الدروز والسنة، وبين القوات الحكومية والعشائر في السويداء.
تسعى إسرائيل إلى جعل الجنوب السوري منطقة عازلة وآمنة، وقد أكدت ذلك من خلال الضربات التي استهدفت القصر الرئاسي السوري ورئاسة الأركان، موجهة رسالة واضحة إلى سوريا لمنع وصول الأسلحة الثقيلة إلى الجنوب. ويعتقد البعض أن الصراع في السويداء يعكس صراع نفوذ بين إسرائيل من جهة، وتركيا والسلطات السورية من جهة أخرى، وأن الحل يجب أن ينطلق من هذا المنطلق.
من المتوقع استئناف اللقاءات السورية – الإسرائيلية، حيث نشر موقع "أكسيوس" معلومات عن اجتماع مرتقب بين الطرفين. وستتناول المباحثات، وفقًا للموقع والإعلام العبري، الوضع في الجنوب السوري ومعادلاته الأمنية، بالإضافة إلى ترتيب العلاقات بعد التوتر الذي تصاعد في الأسبوعين الماضيين.
تفيد مصادر مطلعة بأن المعادلة المطروحة في المباحثات الإسرائيلية – السورية واضحة: "الأمن مقابل النظام". بمعنى آخر، تقدم إسرائيل ضمانات للحفاظ على النظام السوري الحالي مقابل الحصول على منطقة أمنية عازلة في الجنوب على حدودها، خاصة وأن إسرائيل هي الطرف الأقوى والقادر على فرض الشروط.
يبقى السؤال حول انعكاسات هذه اللقاءات على الجنوب السوري، وتحديدًا السويداء، حيث اندلعت الاشتباكات الدموية بعد يومين من اجتماع باكو بين سوريا وإسرائيل، والذي شهد "سوء التفاهم" الذي تحدث عنه ماركو روبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة، وأدى إلى اقتحام السلطات السورية السويداء وقصف إسرائيل لمقر الأركان والقصر الرئاسي في دمشق.
الدبلوماسي السوري بسام بربندي يتحدث لـ"النهار" عن اللقاءات وتأثيراتها المحتملة على الجنوب السوري، قائلاً إن إسرائيل "لا تريد" اتفاقًا يقضي بسحب قواتها من المناطق التي سيطرت عليها مؤخرًا في محافظتي القنيطرة ودمشق، حتى "لا تترتب عليها تداعيات الانسحاب" من غزة وجنوب لبنان والجولان، ولتضمن منطقة أمنية عازلة جنوب سوريا تحت سلطتها باتفاق أو من دونه.
يقارب بربندي مسألة السويداء من زاوية أخرى، مشيرًا إلى أن إسرائيل "تريد" مشروع تهجير الدروز من السويداء نحو قرى القنيطرة المحاذية لمناطق درزية في الداخل الإسرائيلي، لتشكيل منطقة درزية عازلة تبعد من خلالها السلطات السورية عنها. ولهذا السبب "زرعت عوامل الشقاق" ونصبت "فخًا"، فأخبرت الحكومة أن السويداء منطقة "لا تعنيها وغير معنية بالدفاع عنها"، ما شجع على مهاجمة السويداء، في حين طلبت من الشيخ حكمت الهجري الحفاظ على سلاحه.
ويوضح بربندي أن إسرائيل "عملت" على تصعيد التوتر بين الدروز والسلطات السورية، حتى وقع الاشتباك والانتهاكات وأصبحت العودة إلى التفاهم بين الدروز والسلطة "صعبة"، ورسمت لنفسها صورة "المدافع عن الدروز"، ما سيدفع دروز السويداء تلقائيًا ومن منطلق سيكولوجي نحو المناطق الدرزية الحدودية مع إسرائيل سعيًا للحصول على "حماية" إسرائيلية.
في الختام، تتجه الأنظار نحو اللقاء السوري – الإسرائيلي، لأن تداعياته ستكون مهمة وتنعكس تلقائيًا على المستوى الميداني، في مشهد مماثل لما حدث بعد لقاء باكو. وإذا كانت المعادلة واضحة وهي "النظام مقابل الأمن"، فإن عوامل عديدة يجب ألا تغفل، منها الموقف التركي والبازار المفتوح، بالإضافة إلى المشاريع الإسرائيلية في الجنوب السوري التي قد لا تتوقف رغم الاتفاق.