تتداول تقارير محلية مزاعم حول دفن جماعي في السويداء، مشيرة إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد توثيق وتصوير وترقيم جثامين "شهداء" المحافظة. وتضيف التقارير أن الضرورة اقتضت ذلك بسبب "تفسخ الجثث" وصعوبة الدفن في المقابر الاعتيادية لأسباب أمنية. ومع ذلك، تكشف الحقائق المصورة عن جوانب أعمق تتجاوز مجرد الترتيبات الطبية أو الظروف القاهرة.
تشير الوقائع إلى أنه عند دخول القوى الأمنية السورية إلى مستشفى السويداء في 16 تموز/يوليو، كان لا يزال هناك العشرات من الجثامين، معظمها لعناصر أمن تمت تصفيتهم داخل المستشفى وليس خارجه.
تتوفر شهادات صوتية ومرئية من داخل المستشفى توثق لحظة نقل الجثامين، وتتضمن شتائم وإهانات بحق القتلى، بل ووصفهم بألفاظ عنصرية وحيوانية، مما يقوض أي ادعاء باحترام كرامة الموتى أو إجراء طقوس دفن لائقة.
بعد سيطرة ميليشيا "الهجري" على المستشفى، قام مقاتلوها بتوثيق مقاطع فيديو لأنفسهم يصفون فيها الجثامين بأنها "لدواعش"، مصحوبة بألفاظ نابية تؤكد طبيعة المعاملة العدائية وغير الإنسانية.
يثير التساؤل غياب أي دليل على التوثيق المزعوم. فعلى الرغم من الحديث عن "تصوير وتوثيق وترقيم"، لم يتم نشر أي مقطع مصور حقيقي لعملية الدفن نفسها. ولم تُظهر أي جهة المكان الفعلي للمقبرة، ولا حتى صورًا تثبت هذه الادعاءات، باستثناء لقطة وحيدة تُظهر أشخاصًا يرتدون ملابس طبية، وأحدهم يرفع شارة النصر! فهل هذا هو "التوثيق الرسمي" لدفن جماعي؟
أما الادعاء بالتفسخ، فيبدو أنه مجرد محاولة للتغطية على جريمة موثقة. فوفقًا للطب الشرعي، يبدأ التحلل المتقدم بعد أكثر من 10 أيام، وقد يستغرق في بعض الحالات 15 يومًا، بينما تمت عمليات الدفن خلال أيام قليلة فقط من وقوع المجزرة، مما ينفي أي مبرر بيولوجي لـ"عجلة الدفن".
الأمر الأكثر خطورة هو الامتناع عن دفن "غير أبناء السويداء" - بحسب الادعاء - بحجة الاتفاق الدولي وتسليم الجثامين للهلال الأحمر، مما يشير إلى أن القضية ليست صحية أو فنية، بل سياسية وطائفية بامتياز. والأدهى من ذلك، أن من يقوم بدفن القتلى يتهم من يعترض بأنه "يحرض عليه"!
خلاصة القول: ما حدث لم يكن "دفنًا لائقًا لشهداء"، بل عملية طمس أدلة موثقة، جرت تحت ستار عبارات طبية وأمنية. والمطلوب اليوم ليس روايات عاطفية من مصادر طبية، بل نشر الفيديوهات التي وعد بها أصحاب "الدفن الجماعي".. إن وُجدت أصلًا.
زمان الوصل