لا تزال المنظمات والهيئات الدولية تعمل جاهدة لتقييم حجم الدمار الذي خلفته 13 عامًا من الحرب التي شنها النظام على المدن السورية. فبينما يؤكد البنك الدولي أن نسبة الدمار في الوحدات السكنية داخل مناطق الصراع تتراوح بين 27% و 33%، يكشف تحليل لصور الأقمار الصناعية أجراه معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب "يونيتار" (UNITAR) عن دمار كبير في المباني داخل 16 مدينة سورية.
وفقًا للتحليل، بلغ إجمالي عدد المباني التي دُمرت كليًا أو تعرضت لأضرار متفاوتة ما يلي:
- 355 ألفًا و722 مبنى في حلب.
- 1415 في إدلب.
- 12 ألفًا و781 في الرقة.
- 6405 في دير الزور.
- 10 آلاف و529 في حماة.
- 13 ألفًا و778 في حمص.
- 34 ألفًا و136 في الغوطة الشرقية.
- 5489 في مخيم اليرموك والحجر الأسود.
- 3364 في الزبداني.
- 1503 في درعا.
يرى خبراء في الشأن العقاري، وفقًا لموقع "الجزيرة نت"، أن هذه الأرقام تمثل حصيلة أولية فقط للأضرار التي لحقت بالقطاع السكني في سوريا، نظرًا لإصدارها في وقت مبكر، أي قبل انتهاء العمليات العسكرية، بالإضافة إلى إغفال آلاف المنازل المتضررة في المناطق الريفية لأسباب لوجستية.
على أرض الواقع، كشف الموقع ذاته، استنادًا إلى مقابلات ميدانية مع أصحاب المباني المدمرة، أن آثار الدمار لا تقتصر على تكاليف إعادة الإعمار فحسب، بل تتعداها إلى مأساة أخرى تتمثل في عدم قدرة المتضررين على دفع تكاليف إيجار المنازل الجديدة لحين إعادة بناء المباني المدمرة، وهو أمر يفوق قدرة المواطن ذي الدخل المحدود، ويزيد من عمق المأساة التي يواجهها الشعب السوري.
من جانبه، حذّر الخبير الاقتصادي وليد القوتلي، خلال حديثه للموقع، من التأثيرات السلبية لما يوصف بـ "أزمة ارتفاع إيجارات المنازل" التي تعاني منها سوريا اليوم، والتي قد تطال آلاف العائلات اللاجئة التي تخطط لإلغاء إقامتها المؤقتة والعودة إلى البلاد، بعد أن فتح سقوط النظام المجال أمامها، وفق تعبيره. وأوضح أن معظم العائلات التي فقدت منازلها خلال الحرب ولا تملك بدائل سكنية، تقف حائرة بين خيار العودة أو الانتظار ريثما تهدأ موجة ارتفاع الإيجارات مع بدء مشاريع إعادة الإعمار.
وشدد القوتلي على ضرورة وجود شركات إسكان وتطوير عقاري متخصصة تتولى تنفيذ مشاريع متكاملة توفر وحدات سكنية عبر البيع أو الإيجار طويل الأجل، بالشراكة مع المصارف التقليدية أو الإسلامية، للتقليل من حدة الأزمة.
تقدّر قاعدة بيانات موقع نومبيو، وهي منصة إلكترونية دولية مفتوحة المصدر، متوسط الإيجار الشهري لشقة من 3 غرف نوم في العاصمة دمشق بنحو 650 دولارًا، في حين يبلغ إيجار شقة بغرفة نوم واحدة حوالي 310 دولارات.
يرى أصحاب مكاتب عقارية أن صعود الإيجارات إلى 4 أضعاف ما كانت عليه قبل عودة اللاجئين أصبح ظاهرة تشمل معظم المدن، لا سيما دمشق وحلب وحماة وحمص، التي تحولت إلى مقصد رئيسي للعائدين من تركيا ولبنان والأردن. وأوضحوا أن المشرع السوري أخضع عقود الإيجار، وفقًا للقانون رقم 20 لعام 2015، لإرادة المتعاقدين، مما يستدعي إعادة تقييم بعض مواده في ضوء الانفلات الحاصل في سوق الإيجارات وارتفاعها إلى مستويات لا تتناسب مع دخول معظم السوريين.
من جهة أخرى، كشفت بيانات المكتب المركزي للإحصاء (وهي مؤسسة حكومية) عن تراجع كبير في حركة البناء خلال السنوات الأخيرة. وأفاد التقرير الإحصائي لعام 2023 أن نسبة تراجع رخص البناء السكني في عام 2022 بلغت 56% مقارنة بالعام الذي سبقه، حيث تم منح 2033 رخصة مقابل 4624 رخصة في عام 2021. كما تراجع عدد الوحدات السكنية في عام 2022 بمعدل 51%، ليبلغ نحو 8633 وحدة، مقارنة بـ 17 ألفًا و476 وحدة سكنية في عام 2021.
وكان محافظ البنك المركزي السوري، عبد القادر حصرية، أعلن في تموز الماضي عن تصميم نظام متكامل للتمويل العقاري يوفر قروضًا ميسرة لتمكين المتضررين من إعادة بناء منازلهم، بدعم من مؤسسات دولية مانحة. وقال حصرية عبر حسابه الرسمي في منصة "إكس" إن النظام الجديد يراعي احتياجات الواقع ويضع أسسًا عملية ومستدامة لهذا القطاع الحيوي، موضحًا أنه يتضمن تأسيس هيئة للتمويل العقاري، وصندوق ضمان، وتطوير مهنة التقييم العقاري. كما يشمل إطلاق مؤسسة وطنية للتمويل العقاري، وتمكين شركات تمويل خاصة للعمل ضمن ضوابط واضحة. وأشار حصرية إلى أن النموذج السوري في التمويل العقاري استلهم تجربتين ناجحتين، الأولى دانماركية والثانية كندية، بما يتلاءم مع البيئة المحلية ويوفر فرص تمويل حقيقية تسهم في تحسين معيشة المواطن.
من جهتها، ربطت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نجاح واستدامة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بتوفر المأوى وسبل العيش. وكشفت المتحدثة باسم المفوضية، سيلين شميت، عن عودة أكثر من 1.4 مليون سوري إلى ديارهم، بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخلي. ووصفت شميت، خلال مؤتمر صحفي عُقد في قصر الأمم بجنيف في نيسان الماضي، المرحلة التي تمر بها سوريا بأنها "مرحلة مهمة لعودة اللاجئين بشكل طوعي". وقالت "إن العودة الناجحة والمستدامة تتطلب دعم العائدين في مجالات المأوى وسبل العيش والحماية والمساعدة القانونية". ورأت أن الوقت قد حان للاستثمار في تسهيل عودة من انتظروا هذه اللحظة منذ سنوات. ولهذا الغرض، أطلقت المفوضية برنامجًا عمليًا لمساعدة 1.5 مليون لاجئ، ومليوني نازح داخلي، على العودة إلى منازلهم خلال العام الحالي. لكنها حذرت من أن النقص الحاد في تمويل هذا البرنامج قد لا يترك للعائدين سوى خيار مغادرة البلاد مرة أخرى.