الإثنين, 4 أغسطس 2025 08:16 PM

سوريا: مخلفات الحرب تحصد أرواح المدنيين وتعرقل الحياة

سوريا: مخلفات الحرب تحصد أرواح المدنيين وتعرقل الحياة

دمشق-سانا: "حرب صامتة" لا تقل فتكاً عن المعارك، هكذا يمكن وصف وضع مخلفات الحرب في مناطق سورية عديدة. الألغام الأرضية، والقنابل العنقودية، والقذائف غير المنفجرة، لا تزال تحصد أرواح المدنيين وتسبب إعاقات لمئات العائلات.

تشير المنظمات السورية والدولية إلى وجود آلاف من هذه المخلفات التي زرعتها قوات النظام البائد على نطاق واسع في محافظات سورية، خاصة في ريف دمشق، وريف حلب، ودرعا، وحمص، ودير الزور. هذه الذخائر تتسبب بكوارث إنسانية وبيئية بشكل شبه يومي. فبين الضحايا الذين يسقطون، وغالبيتهم من الأطفال، وبين الإصابات التي تلازم المدنيين وتعطل حياتهم، تترك هذه الكارثة آثاراً عميقة.

تحذيرات دولية

في العاشر من أيار الماضي، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من استمرار مخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة في سوريا، مؤكداً أن التلوث بهذه المخلفات لا يزال يخلف آثاراً مميتة في جميع أنحاء البلاد بعد سقوط النظام البائد.

أوضح المكتب أنه تم الإبلاغ منذ الثامن من كانون الأول 2024 عن أكثر من 900 ضحية مدنية، بينهم 367 حالة وفاة و542 إصابة، يشكل الأطفال أكثر من ثلثهم. وأشار نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق إلى مواصلة الأمم المتحدة وشركائها تقديم المساعدات في جميع أنحاء سوريا، رغم صعوبات التمويل.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر

في نيسان 2025، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن عدداً كبيراً من سكان سوريا معرضون للخطر بسبب الألغام ومخلفات الحرب، ودعت إلى ضرورة التصدي العاجل لهذا التهديد المتزايد.

أوضح رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا ستيفان ساكاليان أن سوريا شهدت ارتفاعاً مأساوياً في عدد الضحايا بسبب الذخائر المتفجرة منذ الثامن من شهر كانون الأول الماضي، حيث تم الإبلاغ عن 748 إصابة حتى الخامس والعشرين من آذار الماضي، من بينها أكثر من 500 إصابة منذ الأول من كانون الثاني الماضي فقط، مقارنة بـ 912 إصابة تم تسجيلها طوال عام 2024.

الدفاع المدني السوري

يؤكد متطوعو الدفاع المدني السوري أن مناطق بأكملها في ريف إدلب وغرب حلب تحولت إلى "حقول موت"، وأن التوعية المجتمعية ضرورية لكنها تصطدم بصعوبة التضاريس وقلة الإمكانات.

في تقرير نشره الدفاع المدني في الثالث من كانون الثاني 2025، تم توثيق مقتل 25 مدنياً، بينهم أطفال، جراء انفجارات لمخلفات الحرب والألغام في مناطق مختلفة من سوريا خلال أقل من شهر. وفي تقرير آخر، تم توثيق مقتل 35 مدنياً، بينهم 8 أطفال وامرأة، وإصابة 54 مدنياً، بينهم 23 طفلاً، بجروح بليغة، نتيجة انفجارات لمخلفات الحرب والألغام في الفترة من الـ 27 من تشرين الثاني 2024 حتى الـ 10 من كانون الثاني 2025. وأشار التقرير إلى أن عناصر الدفاع المدني تمكنوا من إزالة أكثر من 25 ألف ذخيرة من مخلفات الحرب، بما في ذلك أكثر من 22,500 قنبلة عنقودية، منذ بداية عملهم.

أراض محرمة على أهلها

تسببت هذه المخلفات بحرمان مئات القرى من العمل في الأراضي الزراعية، وخلفت خسائر اقتصادية تقدر بملايين الدولارات سنوياً نتيجة العزوف القسري عن الزراعة والرعي، كما دفعت آلاف العائلات للانتقال إلى مناطق أقل خطورة رغم صعوبة ظروف المعيشة هناك.

مخلفات متفجرة تتربص بالمدنيين

يعيش ملايين السوريين، وفقاً للدفاع المدني، في مناطق موبوءة بالألغام والذخائر غير المنفجرة نتيجة سنوات من القصف، ما يشكل تهديداً كبيراً على حياة السكان، ويؤثر بشكل مباشر على استقرار المدنيين والتعليم والزراعة. وكثير من الضحايا يسجلون كإصابات عرضية أو يتوفون بعيداً عن الكاميرات، بينما لا يجد الناجون العلاج الكافي لإصاباتهم المعقدة مثل البتر أو التشوهات أو الشلل الجزئي.

ما الذي يمكن فعله؟

في ظل الخطر المميت الذي يواجهه السوريون جراء مخلفات الحرب التي تركها النظام البائد، فإنه من غير الممكن اعتبار أن الحرب قد انتهت، بل مخلفاتها أصبحت عدواً يزهق الأرواح ويزرع الإعاقة بين الأجيال.

يدعو الدفاع المدني والمنظمات الدولية المعنية إلى تكثيف جهود التوعية المجتمعية، وخاصة في القرى والحقول، بالإضافة إلى زيادة الدعم الدولي لفرق إزالة الألغام المحلية أو التابعة لهيئات الأمم المتحدة، والضغط من أجل تأمين خرائط دقيقة توضح أماكن زرع الألغام لتسهيل عمليات الإزالة.

مشاركة المقال: