الجمعة, 19 سبتمبر 2025 06:14 AM

خبراء يحذرون: غياب الكفاءات يهدد مستقبل الاستقرار والتنمية في سوريا

خبراء يحذرون: غياب الكفاءات يهدد مستقبل الاستقرار والتنمية في سوريا

تشهد الساحة السورية تحركات سياسية وإدارية ملحوظة، خاصة بعد تشكيل الحكومة برئاسة أحمد الشرع، الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، في نهاية آذار الماضي، والتي قامت على أساس تكنوقراطي. وتواجه الحكومة الحالية انتقادات بشأن بعض التعيينات، وسط غياب واضح للنخب والكفاءات الإدارية الضرورية للمرحلة الراهنة. ويرى خبراء أن هذا الغياب يؤثر سلبًا على فعالية الأداء الحكومي وجهود إعادة البناء المستدامة.

شرط أساسي للاستقرار السياسي

يرى أكاديميون وخبراء أن استبعاد الكفاءات والمؤهلين علميًا وأكاديميًا من مواقع صنع القرار الإداري يشير إلى احتكار الحكومة والجهات المقربة من السلطة للقرارات، دون الاستعانة بتقييم أهل الخبرة. ويطالبون بدمج النخب في هذه المواقع كشكل من أشكال التشاركية، التي يعتبرونها أولوية قصوى في الوقت الحالي.

ويؤكد الدكتور علي ميا، أستاذ إدارة الأعمال الدولية في جامعة "اللاذقية"، أن مشاركة الكفاءات العلمية والنخب السياسية المؤهلة في عملية صنع القرار الوطني أمر ضروري وحاسم لنجاح الاستقرار السياسي وتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المنشودة. ويشير إلى أن سوريا تشهد تحولات سياسية واقتصادية مهمة منذ سقوط النظام السابق، خاصة بعد رفع العقوبات الدولية والانفتاح الكبير على العالم، وتهافت الشركات الدولية الكبرى لتوقيع مذكرات تفاهم للاستثمار في المشاريع الحيوية.

وانطلاقًا من ذلك، أصبح الاعتماد على مشاركة الكفاءات والقيادات الإدارية المؤهلة ضرورة ملحة في صنع القرارات بكل أشكالها، ويتطلب ذلك سرعة التنفيذ. وبالتالي، يجب على المؤسسات مواكبة هذه التطورات لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الموروثة من عهد النظام السابق، وما يترتب عليها من آثار سلبية تهدد أمن واستقرار سوريا.

تأثير الغياب على القرارات

أوضح الدكتور زكوان قريط، الأستاذ في جامعة "دمشق" والخبير في الإدارة العامة والحوكمة، أن تأثير غياب الكفاءات والنخب في سوريا يظهر بوضوح على جودة القرارات المتخذة وانعكاساتها على الواقع المعاش. وأشار إلى أن هذا الغياب أدى إلى نتائج سلبية متعددة، منها ضعف التخطيط الاستراتيجي وعدم القدرة على استشراف المستقبل بشكل علمي ومدروس، لأن القرارات التي تتخذ دون الاستعانة بذوي الخبرة والاختصاص غالبًا ما تكون قصيرة المدى وتفتقر إلى النظرة الشمولية.

التمثيل الشعبي لم يكن أولوية

يرى معن طلاع، مدير الأبحاث والسياسات في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أن الحكومات المشكلة في البيئات الخارجة من النزاع، كما هو الحال في سوريا، عادة ما تتكون بهدف إحداث أثر واضح في مجال الخدمات، وليس بناءً على تمثيل ناتج عن انتخابات أو تفاهمات محلية. وأضاف أن الفريق الحكومي الحالي جاء في سياق ما يوصف بـ"انتصار الثورة"، وبالتالي فإن مسألة التمثيل الشعبي لم تكن أولوية.

لكن، وفقًا لطلاع، لا يمكن إغفال أن المواطن اليوم يقيّم الأداء الحكومي على أساس "شرعية الإنجاز"، لا على أساس التمثيل السياسي. فالقضايا الجوهرية التي تشغل السوريين بعد سقوط النظام هي قضايا الخدمات والأمن والطاقة والمعيشة، ومن هنا، يصبح معيار القرب من الناس مرتبطًا بمدى القدرة على الإنجاز في هذه الملفات. وأكد أن هذا الإنجاز يمكن أن يتعزز بمؤشرات مثل الشفافية والحوكمة والكفاءة والمساءلة، لكن هذه المؤشرات تحتاج إلى وقت، ويجب أن تظهر آثارها خلال عام على الأقل حتى تكتسب الحكومة قدرًا أكبر من الشرعية الواقعية، غير أن استمرار الفجوة الأمنية يظل سببًا رئيسًا في تعثر أي تقدم ملموس.

التشاركية تحقق العدالة الاجتماعية

أصبحت التشاركية في سوريا اليوم أولوية ملحة، بالتوازي مع طلب غالبية الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، بإشراك جميع السوريين في أماكن قيادية لصنع القرارات، من أجل تحقيق جو سياسي داخلي آمن.

وأكد الدكتور علي ميا أن التشاركية في صنع القرارات تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على التهميش والتمييز، وتزيد فرص نجاح عملية التنمية وتحقيق أهدافها المنشودة، من خلال تحويل كافة أفراد المجتمع إلى مساهمين حقيقيين في عملية التنمية، بدلًا من أن يكونوا مجرد منتفعين منها.

مشاركة الكفاءات تلعب دورًا حاسمًا في نجاح عملية التنمية المستدامة من خلال:

  • مساهمة الكفاءات من خلال خبراتها العلمية والعملية في فهم دقيق التحديات واحتياجات المجتمع بكافة شرائحه ومكوناته.
  • المساعدة في تحديد أولويات التنمية السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وتوجيه الموارد نحو المجالات الأكثر حاجة.
  • مساهمة الكفاءات في تصميم وتطوير حلول مبتكرة ومستدامة لكافة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخلق بيئة مناسبة لتشجيع عمليات الإبداع والابتكار وتحقيق التعاون بين كافة الفاعلين في المجتمع.

مدخل لوحدة التنوّع السوري

يرى الكاتب والباحث في الفكر السياسي الدكتور عبد الله تركماني أنه كان من المفترض أن تكون التشاركية مدخلًا إلى وحدة التنوّع السوري، القومي والطائفي والمذهبي، باعتباره غنى وقيمة مضافة، وذلك من خلال دولة الحق والقانون والمؤسسات، التي تكفل العدالة والمساواة. واعتبر أن "النجاح في عملية الانتقال إلى دولة الحق والقانون يقتضي القطيعة مع ثقافة الشعارات التي أنهكت السوريين طوال ستة عقود"، مشيرًا إلى أولوية التركيز على التعاطي المجدي مع تحديات الحاضر والتخطيط للمستقبل، على أساس الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، التي تضمنها التوافقات بين جميع التيارات الفكرية والسياسية، التي تعمل تحت سقف الوطنية السورية الجامعة.

ويعتقد أن التشاركية السياسية ليست مطلب المكوّنات الأقلوية فقط، وإنما هي مسألة السوريين جميعًا، في حين أن أغلب التعيينات في مؤسسات الدولة محتكَرة من قبل ما سمي بـ"الأمانة العامة للشؤون السياسية"، التي يشرف عليها وزير الخارجية، وقد أصبحت تتصرف بصفتها حزبًا حاكمًا وحيدًا.

إعادة النظر في الهياكل الإدارية

يعتقد خبير إدارة الأعمال والحوكمة، الدكتور زكوان قريط، أن تعزيز مبدأ التشاركية في المؤسسات السورية، وخاصة بصنع القرار، من شأنه أن يسهم في تحسين جودة القرارات وزيادة فعاليتها، ومن أهم الإيجابيات في التشاركية في صنع القرارات هي:

  • تحقيق الفعالية: الكفاءات تسهم في اتخاذ قرارات مدروسة تستند إلى بيانات وتحليلات دقيقة.
  • تطوير السياسات: النخب المؤهلة تساهم في تطوير سياسات مبتكرة، تلبي احتياجات المجتمع.
  • تعزيز الشفافية: وجود خبراء يمكن أن يعزز من الشفافية والمساءلة في اتخاذ القرارات.

وأوضح أن تطوير آليات صنع القرار في المؤسسات السورية يتطلب إعادة النظر في الهياكل الإدارية القائمة، وإفساح المجال أمام الكفاءات للمشاركة في صنع القرار، وتبني نهج علمي يستند إلى الدراسات والبحوث. فالقرار الناجح هو نتاج عمل جماعي يجمع بين الخبرة والعلم والمشاركة الفاعلة من جميع الأطراف المعنية.

ووفقًا للخبراء والمهتمين بالشأن الإداري، فإن توظيف النخب والكفاءات بكفاءة ومسؤولية في مراكز اتخاذ القرار هو خطوة حاسمة لبناء سوريا كدولة قوية ومستقرة ومتطورة.

"تفعيل التشاركية السياسية في أماكن صنع القرارات يعزز الشعور بالانتماء للوطن، ويقلل من فرص الصراع والعنف الداخلي، ويزيد من فرص التواصل والتضامن بين جميع أفراد المجتمع، وتحقيق استقراره، وهذا ما يحتاجه الواقع السوري اليوم" الدكتور علي ميا أستاذ إدارة الأعمال الدولية في جامعة "اللاذقية"

آثار سلبية

غياب أصحاب الكفاءات والنخب والمؤهلين عن أماكن صنع القرار الإداري، واعتماد الإقصاء في أماكن التعيين والقرار الإداري، يوّلد نهجًا تخريبيًا للانطلاقة السياسية والاقتصادية السائدة في الفترة الأخيرة.

يرى الدكتور علي ميا أن إغفال مشاركة الكفاءات والنخب السياسية في صنع القرارات ينجم عنه آثار سلبية كبيرة تنعكس على كافة مجالات وأوجه التنمية، أهمها فقدان الثروة البشرية نتيجة التهميش، وانعدام مبدأ الكفاءة، وضعف القدرة على مواجهة التحديات الداخلية. ويرجح أن ذلك يتطلب من الحكومة اليوم توفير بيئة محفزة وجاذبة للكفاءات، من خلال تأمين الأسس الموضوعية لضمان تشاركية النخب الفعالة في صنع القرار.

وأكد أن تفعيل التشاركية السياسية في أماكن صنع القرارات يعزز الشعور بالانتماء للوطن، ويقلل من فرص الصراع والعنف الداخلي، ويزيد من فرص التواصل والتضامن بين جميع أفراد المجتمع، وتحقيق استقراره، وهذا ما يحتاجه الواقع السوري اليوم.

وتبقى مسألة استقطاب النخب والكفاءات وتفعيل دورها أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة، والتي تتطلب جهودًا مشتركة من مختلف الفاعلين المحليين والدوليين لضمان استقرار البلاد وتقدمها في المرحلة المقبلة.

مشاركة المقال: