يتساءل البعض عما إذا كانت المجاملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعكس مشاعر حقيقية، حيث يفضل الكثيرون التعبير المباشر عن المشاعر وجهاً لوجه، لما يحمله من صدق ووضوح في التعبير.
لوم وعتب
تعيش أريج هذا الواقع في كل مناسبة عائلية، حيث تتلقى اللوم المستمر من أقاربها لعدم مشاركتها أو تعليقها على مناسباتهم عبر منصات التواصل. تعبر أريج عن عدم تفضيلها هذا النوع من التفاعل، مؤكدة على أهمية الزيارات المتبادلة والتعبير المباشر عن المشاعر في الأفراح والأحزان على حد سواء. وتضيف أن المجاملة الرقمية لا تعكس مشاعرها الحقيقية، إلا أنها تدرك أن هذا الأسلوب لا يلقى تفهماً من الجميع، حيث يعتبر عدم التفاعل على المنشورات نوعاً من التقصير. وتوضح قائلة: "إذا ما علقت أو شاركت، يعتقدون أنني لا أتبادل معهم مشاعر الفرح أو أنني غيرانة منهم، وهذا الشيء خلاني عيش بتوتر إنهم يأخذوا عني فكرة غير صحيحة."
تأثير في العلاقات الاجتماعية
يقول إبراهيم، وهو موظف، إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الفرد، وأثرت بشكل كبير في العلاقات الاجتماعية والعادات، حتى أصبحت هذه العلاقات تدار رقمياً، مما زاد الضغط على علاقاتنا مع الآخرين. فالمجاملة، التي تعتبر سلوكاً اجتماعياً نمارسه يومياً، تحولت إلى "مجاملة رقمية" فقدت معناها الحقيقي وأصبحت خالية من المشاعر، وكأنها التزام وواجب يجب أداؤه.
تعد التزاماً أكثر منها تعبيراً
ترى الاستشارية التربوية صبا حميشة أن المجاملة الرقمية تبدو التزاماً أكثر منها تعبيراً عن المحبة. وتضيف أن العديد من السلوكيات التي كانت تمارس على أرض الواقع انتقلت إلى العالم الرقمي، فالقيم والسلوكيات هي انعكاس للمجتمع، وعندما تصبح العلاقات افتراضية، تصبح السلوكيات والقيم افتراضية أيضاً. وتشير إلى أن المجاملة أصبحت واقعاً ملموساً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتتخذ أشكالاً مختلفة، مثل "اللايك باللايك"، و"الشير بالشير"، و"الكومنت بالكومنت"، وهي أنماط سائدة في حياتنا اليومية. وانطلاقاً من ذلك، أصبحت المجاملة معياراً أساسياً في العلاقات الاجتماعية، نتيجة لانتقالنا من الواقع الفعلي القائم على اللقاء المباشر إلى واقع رقمي تتحكم فيه التكنولوجيا، وهو تطور طبيعي يتماشى مع نمط حياتنا الحديثة واقترابنا أكثر من المجتمعات الافتراضية. لذا، من الطبيعي أن تنتقل إلينا هذه السلوكيات، ومنها المجاملة.
وتختتم حميشة حديثها بالإشارة إلى أن المجاملة الرقمية فقدت الكثير من إحساسها ومشاعرها الإنسانية، وابتعدت عن الحميمية، لتتحول إلى ممارسة شكلية في كثير من الأحيان. ففي كثير من الحالات، نجامل عبر وسائل التواصل أشخاصاً لا نعرفهم، ولم نلتق بهم ولا مرة في حياتنا. وهنا يظهر الفرق بين المجاملة كسلوك إنساني كنا نمارسه ضمن علاقاتنا الواقعية، والمجاملة الرقمية التي تفتقد إلى الصدق ومشاعر الحب وصلة الأرحام. ويبقى السؤال: أيهما أصدق؟ والجواب، بحسب حميشة، أن المجاملة في الواقع بعيداً عن المجتمعات الافتراضية، تبقى الأصدق، لأنها تحمل مشاعر حقيقية وقيماً واضحة، بعكس المجاملة من خلف شاشات الأجهزة المحمولة والتي قد لا تعبّر عن أي إحساس حقيقي.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية