في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة إلى ما يزيد عن 45 درجة مئوية، يواجه سكان مدينة الرقة أزمة حادة تتفاقم بسبب الانقطاع شبه الكامل للكهرباء والنقص الحاد في مياه الشرب، وسط حالة من الاستياء تجاه صمت الإدارة الذاتية (قسد) التي لم تقدم حتى الآن حلولاً ملموسة، على الرغم من تصاعد شكاوى الأهالي والاتهامات الموجهة إليها بالتقصير والإهمال.
وعلى الرغم من الوعود السابقة بتحسين وضع الكهرباء من خلال تركيب "عدادات إلكترونية" في الأحياء السكنية، إلا أن المواطنين لم يشعروا بأي تحسن، بل ازداد غضبهم بسبب اضطرارهم لدفع اشتراكات منتظمة دون الحصول على الخدمة المطلوبة. يقول عيسى محمد (اسم مستعار)، أحد سكان المدينة، في حديث لـ"زمان الوصل": "كنا نحصل على الكهرباء لساعات متقطعة قبل تركيب العدادات، أما الآن فقد انعدمت تمامًا. لقد وعدونا بتوفير الكهرباء لمدة 8 إلى 12 ساعة يوميًا، ولكن النتيجة هي انقطاع الكهرباء بشكل كامل في بعض الأيام". وأضاف أن مشروع العدادات تحول في نظر السكان إلى "خدعة جديدة"، معتبرًا أن الوضع كان أفضل بكثير قبل هذا المشروع.
من جهتها، حمّلت إدارة الطاقة التابعة لـ"قسد" مسؤولية الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى انخفاض منسوب نهر الفرات، متهمة الحكومة التركية بتقليل كمية المياه المتدفقة، مما أثر على عمل عنفات سد الفرات، الذي يعتبر المصدر الرئيسي للكهرباء في المنطقة. إلا أن هذه التبريرات لم تقنع الكثيرين، خاصة مع انتشار مقاطع فيديو تظهر تدفقًا كبيرًا للمياه، مما دفع البعض إلى التشكيك في صحة الرواية الرسمية.
واتهم العديد من سكان الرقة الإدارة الذاتية بالفساد وسوء التخطيط، وإنفاق الأموال على مشاريع غير مجدية. وقال أحد سكان حي كسرة محمد علي: "في كل عام يتم تعبيد نفس الطرقات وحفرها من جديد، كما حدث في دوار حزيمة. لا توجد رقابة أو دراسات، بل فوضى تعيدنا إلى نقطة الصفر". وأضاف: "نسمع عن ميزانيات ضخمة، ولكننا لا نرى مياهًا ولا كهرباء ولا صرفًا صحيًا. هذه سياسة تجويع ممنهجة تجعلنا نركض وراء أبسط الحقوق اليومية".
الاحتجاجات على هذا الوضع لم تلقَ استجابة إيجابية، بل قوبلت باستدعاءات أمنية واعتقالات. وقال أحد الإعلاميين المحليين لـ"زمان الوصل": "نشرت تعليقًا انتقدت فيه الوضع، فاستدعوني إلى العلاقات العسكرية وتم توقيفي. أين حرية التعبير؟". وأوضح أن هذا الأمر تكرر مع ناشطين ومواطنين آخرين، مما أدى إلى خلق مناخ من الخوف العام من انتقاد الإدارة.
وعلى الرغم مما ذكرته فضائية "روج آفا" المقربة من "قسد" عن تخصيص موازنة لمدينة الرقة لعام 2025 بقيمة تقارب 13 مليون دولار، موزعة على قطاعات الكهرباء والمياه والبنية التحتية، إلا أن الواقع لم يشهد أي تحسن فعلي، مما زاد من شعور الناس بالإحباط. وبين الوعود المؤجلة والتبريرات المستهلكة، يعيش سكان الرقة في عزلة خدمية خانقة، يدفعون فيها ثمن الفشل الإداري، ويفتقدون خلالها لأبسط مقومات الحياة: الماء والكهرباء والحق في التعبير. زمان الوصل