الأربعاء, 6 أغسطس 2025 11:30 PM

تقرير الوظائف الأمريكية الصادم: تباطؤ التوظيف يثير القلق ويهوي بالدولار

تقرير الوظائف الأمريكية الصادم: تباطؤ التوظيف يثير القلق ويهوي بالدولار

ميشال صليبي: كشف مكتب الإحصاءات العمالية الأميركي الأسبوع الماضي عن تقرير الوظائف لشهر يوليو، والذي خيب الآمال على كافة الأصعدة، مما أثار ردود فعل واسعة النطاق سياسيًا وماليًا. فقد أضاف الاقتصاد الأميركي 73 ألف وظيفة فقط، بينما كانت توقعات الأسواق تتراوح بين 110 و130 ألف وظيفة، مما يشير بوضوح إلى تباطؤ حاد في زخم التوظيف.

لكن مصدر القلق الأكبر لم يكن ضعف الأرقام الحالية فحسب، بل المراجعات السلبية الكبيرة لأرقام شهري مايو ويونيو، والتي خُفضت بمقدار 258 ألف وظيفة مجتمعة. وتعتبر هذه المراجعات من بين الأسوأ منذ فترة الجائحة، وتعكس احتمال وجود خلل في تقدير قوة سوق العمل خلال الفترة الماضية.

الأمر اللافت هو أن معظم الوظائف الجديدة تركزت في قطاعات الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية. أما القطاع الحكومي، فقد ساهم بشكل سلبي، حيث سجل فقدانًا للوظائف، خاصة على المستوى الفيدرالي. وقد ساهم هذا القطاع في زيادة ضعف الرقم الإجمالي للتوظيف، مما يعكس تقلصًا في التوظيف العام وتباطؤًا في الإنفاق الحكومي التشغيلي.

إن اقتصار النمو الوظيفي على قطاعات غير إنتاجية يعد إشارة مقلقة، إذ إن هذه المجالات عادة ما تكون ممولة من الدولة أو غير مولدة للقيمة المضافة بشكل مباشر، ما يعني أن القطاع الخاص الحقيقي، الذي يعتبر المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي، لم يظهر ديناميكية كافية. القطاعات الحيوية مثل التصنيع والتكنولوجيا والبناء والخدمات المالية، إما لم تضف أي وظائف جديدة أو سجلت خسائر فعلية في التوظيف. ويعكس هذا النمط تباطؤًا في الطلبين الاستهلاكي والاستثماري، ويشير إلى احتمال دخول الاقتصاد في مرحلة من الركود الهيكلي.

بالإضافة إلى ذلك، ارتفع معدل البطالة إلى 4.2%، وهو الأعلى منذ أوائل عام 2024، مما يزيد الضغط على الفيدرالي الأميركي ويطرح علامات استفهام حول مرونة سوق العمل في مواجهة التباطؤ الاقتصادي والتحديات الجيوسياسية الحالية. وعلى الصعيد السياسي، شهدت البلاد تطورًا غير مسبوق تمثل في إقالة الرئيس ترامب لمفوضة مكتب الإحصاءات العمالية بعد ساعات فقط من صدور التقرير، متهمًا إياها بتضليل الجمهور بشأن حقيقة الاقتصاد. وقد أثارت هذه الخطوة مخاوف حقيقية في الأوساط الاستثمارية بشأن استقلالية المؤسسات الرسمية وتسييس البيانات الاقتصادية، ويمثل عامل ضغط إضافيًا على الثقة بالاقتصاد الأميركي.

على صعيد الأسواق المالية، كانت ردة الفعل سريعة، حيث شهدت أسواق الأسهم الأميركية عمليات بيع مكثفة، مع تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 500 نقطة، فيما هبط مؤشر ناسداك المركب بنسبة تجاوزت 2%، وسط تزايد القلق من أن تباطؤ سوق العمل قد ينعكس سلبًا على أرباح الشركات في النصف الثاني من العام. قطاع التكنولوجيا، الذي يعتمد بشدة على النمو، كان من بين الأكثر تضررًا في الجلسة، في ظل تزايد المخاوف من تقلص الطلب الاستهلاكي وتراجع الإنفاق الرأسمالي.

في سوق السندات، شهدنا تحركًا واضحًا نحو الأصول الآمنة، حيث تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بشكل ملحوظ، في ظل تسعير الأسواق لتزايد احتمالات قيام الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل خلال سبتمبر. المستثمرون باتوا يتوقعون أن التضييق النقدي قد بلغ ذروته، وأن المرحلة القادمة ستتسم بالتيسير، خاصة إذا استمر ضعف البيانات الاقتصادية.

أما الدولار الأميركي، فقد تلقى ضربة قوية، حيث خسر أكثر من 1.3% من قيمته خلال يوم واحد مقابل سلة من العملات الرئيسية، ليس فقط بسبب تزايد احتمالات خفض الفائدة، بل أيضًا بفعل اهتزاز الثقة في مصداقية المؤسسات الأميركية بعد إقالة مسؤولة رسمية في توقيت حرج. هذا الهبوط الحاد يعد الأسوأ للدولار منذ أبريل، ويعكس تحولًا واضحًا في مزاج الأسواق العالمية تجاه العملة الأميركية.

في المقابل، صعدت أسعار الذهب بشكل لافت لتتجاوز 3,350 دولارًا للأونصة، مدعومة بتراجع الدولار وتزايد الطلب على الأصول الدفاعية وسط حالة من عدم اليقين. كذلك، شهدت بعض السلع الأخرى مثل الفضة والبلاتين ارتفاعات ملحوظة، ما يؤشر إلى أن الأسواق بدأت بالفعل بالتحوط من احتمالات التباطؤ الاقتصادي وعودة التيسير النقدي.

بالنسبة لأداء الأسواق هذا الأسبوع، فقد استمرت التقلبات بوتيرة متصاعدة، وسط حالة من الحذر والترقب. المستثمرون باتوا يتعاملون مع مزيج معقد من العوامل السلبية، أبرزها توتر العلاقة بين الرئيس ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، والتي ظهرت على السطح مجددًا بعد تلميحات من ترامب بإمكانية استبداله، بالإضافة إلى تصاعد التوترات التجارية الناتجة عن موجة جديدة من الرسوم الجمركية على السلع الأوروبية والآسيوية. هذا التداخل بين الضغوط السياسية، الاضطراب النقدي، وضعف البيانات الاقتصادية يكرس حالة من عدم اليقين في الأسواق الأميركية، ويدفع المستثمرين إلى اعتماد استراتيجيات تحوطية قصيرة المدى، ويزيد من التذبذب في أسعار الأصول.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: