في لحظة فاصلة من يوم 17 أيلول/سبتمبر 2024، اهتزت المنازل والمكاتب والأسواق في لبنان على وقع انفجار آلاف أجهزة البيجر التي كانت بحوزة عناصر "حزب الله". كانت إسرائيل قد زرعت هذه الأجهزة المتفجرة عن بعد، بعد سنوات من التخطيط والتسلل إلى سلسلة التوريد الخاصة بـ"حزب الله"، مستخدمة شركات وهمية لبيع الأجهزة المفخخة.
استيقظت سارة جفال (21 عامًا) في ذلك اليوم وهي تعاني من نزلة برد. سمعت صوتًا غريبًا قادمًا من جهاز البيجر، فالتقطته لتجد رسالة غريبة: "خطأ، اضغط على موافق". قبل أن تتمكن من الرد، وقع الانفجار الذي حوّل حياتها إلى جحيم.
تسببت تفجيرات البيجر في إصابة أكثر من 3000 شخص ومقتل 12 آخرين، بينهم طفلان. تتباهى إسرائيل بهذه العملية، معتبرة إياها دليلًا على تفوقها التكنولوجي والاستخباراتي، بينما تعتبرها منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة انتهاكًا للقانون الدولي.
بعد مرور عشرة أشهر، لا يزال الناجون يعانون من آثار هذه التفجيرات. ندوب تشوه وجوههم، وأطراف مبتورة، وعيون مفقودة، كلها علامات على اللحظة التي فتحوا فيها أجهزة البيجر المشؤومة.
في تحقيق نادر، تمكنت وكالة "أسوشيتد برس" من الوصول إلى عدد من الناجين الذين رووا قصصهم المروعة. سارة، خريجة جامعية، تقول: "تحملت ألمًا لم أكن أتصور أنني سأستطيع تحمله".
رجل الدين مصطفى شعيب يتذكر كيف كانت ابنتاه الصغيرتان تلعبان بجهاز البيجر الخاص به، وكيف كان يجده أحيانًا بين ألعابهما.
وكالة المخابرات الإسرائيلية الموساد رفضت التعليق على هذه المزاعم، لكن مسؤولين أمنيين إسرائيليين نفوا أن يكون الهجوم عشوائيًا، مؤكدين أن الأجهزة بيعت حصريًا لأعضاء "حزب الله".
في اليوم التالي لتفجيرات البيجر، انفجرت أجهزة اللاسلكي التابعة لـ"حزب الله" في هجوم إسرائيلي آخر أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 25 شخصًا وإصابة أكثر من 600 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية.
وفقًا لمسؤول في "حزب الله"، طلبت الجماعة 15000 جهاز بيجر، لكن وصل 8000 جهاز فقط، ووزع ما يقرب من نصفها على الأعضاء. تم اعتراض الأجهزة الأخرى الموجهة إلى لبنان في تركيا بعد أيام من الهجوم.
زينب مستراح، التي فقدت بصرها في الانفجار، تتذكر كيف كانت المستشفيات مكتظة بالجرحى، وكيف كانت العائلات تصرخ بأسماء أقاربها للتعرف عليهم.
مهدي شري، مقاتل في "حزب الله"، أصيب بجروح خطيرة في عينيه. تزوج خطيبته خلال مكالمة فيديو بينما كان في العراق، بعد شهر من إصابته.
حسين ديني، البالغ من العمر 12 عامًا، فقد عينه اليمنى وألحقت أضرارًا بعينه اليسرى، بالإضافة إلى بتر أطراف أصابعه. تقول والدته فاتن حيدر: "كان كابوسًا".
سارة جفال خضعت لـ45 عملية جراحية في تسعة أشهر، ولا تزال بحاجة إلى المزيد. تقول: "أنسى جروحي عندما أرى جرحى آخرين".
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية