في إطار الجهود الحكومية لتنشيط القطاع الصناعي وتعزيز النمو الاقتصادي، تبرز المدينة الصناعية في حسياء بريف حمص كنموذج واعد للتحول الصناعي في سوريا. تقع المدينة على بعد 25 كيلومترًا جنوب شرق حمص، وتتميز ببنيتها التحتية المتطورة وموقعها الاستراتيجي وفرصها الاستثمارية المتنوعة.
أوضح طلال زعيب، مدير المدينة الصناعية في حسياء، في حديث لمنصة سوريا 24، أن المدينة تسعى إلى تعزيز مكانتها كمركز صناعي رائد على المستويين الوطني والإقليمي من خلال رؤية مستقبلية طموحة.
رؤية استراتيجية لجذب الاستثمارات النوعية
أكد مدير المدينة الصناعية أن الحكومة، بالتعاون مع القطاع الخاص، تعمل على جذب استثمارات نوعية خلال السنوات الخمس المقبلة، من خلال تبني سياسات استثمارية محفزة ومتكاملة. وأضاف: "نعمل على بناء بيئة استثمارية جاذبة تجمع بين الحوافز المالية والتسهيلات الإدارية والضمانات القانونية، بهدف جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية".
وأشار إلى أن نظام الاستثمار الجديد في حسياء يتميز بكونه حديثًا ومتطورًا، ويتضمن حزمة من التسهيلات، منها:
- توفير الأراضي مجانًا، مع استيفاء تكاليف البنية التحتية فقط.
- أسعار تنافسية للأراضي: الدفع نقدًا بسعر 26 دولارًا للمتر المربع، أو تقسيط المبلغ على خمس سنوات، بدفع دفعة أولى بنسبة 5%، ومجموع 20 قسطًا سنويًا.
- إعفاء كامل من الرسوم الجمركية على جميع الآلات والمعدات اللازمة للإنتاج.
- حماية المنتج المحلي من خلال دراسة وضبط الرسوم الجمركية على السلع المستوردة المماثلة.
وأكد زعيب أن هذه الحوافز تهدف إلى جذب مشاريع صناعية متقدمة، خاصة في مجالات الطاقة النظيفة والصناعات الغذائية والتقنيات الطبية والبناء والتعبئة والتغليف.
تطوير البنية التحتية: ركيزة التنافسية المستقبلية
اعتبر زعيب أن تطوير البنية التحتية يمثل أولوية قصوى، مشيرًا إلى أن المدينة تعمل على تطوير محاور متعددة لتعزيز تنافسيتها:
تحسين شبكات النقل والربط اللوجستي من خلال:
- إعادة إحياء مشروع "تحويلة حمص الكبرى"، التي تربط المدينة الصناعية مباشرة بالساحل السوري، مما يسهل تصدير المنتجات ونقل المواد الأولية.
- توسيع وتطوير الطرق الداخلية والخارجية، مع ربط المدينة بالطريق الدولي M5، الذي يمتد من الحدود العراقية إلى الحدود اللبنانية.
- وجود مرفأ جاف في حسياء، إلى جانب محطتي قطار: واحدة لنقل البضائع والمواد الخام، وأخرى لنقل الركاب، مما يعزز انسيابية الحركة.
- البنية التحتية الرقمية: تعزيز التغطية بشبكة الإنترنت عالي السرعة، وإقامة مراكز بيانات حديثة لدعم الشركات الناشئة والمؤسسات التقنية، ودعم التحول الرقمي في المصانع عبر أنظمة إدارة الإنتاج الذكية.
- الطاقة والمياه: التوسع في استخدام الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتغذية المنشآت الصناعية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، إضافة إلى تطوير شبكات الكهرباء وتركيب مولدات احتياطية لضمان استمرارية التشغيل، وتحسين كفاءة شبكات المياه والصرف الصحي، مع اعتماد تقنيات إعادة التدوير.
التحول نحو الصناعة الذكية والتقنيات المتقدمة
أكد مدير المدينة أن التحول نحو الصناعة الرابعة يمثل ركيزة أساسية في استراتيجية التطوير، قائلاً: "نحن لا نبني مصانعًا فقط، بل نبني مستقبل الصناعة السورية".
وأوضح أن المدينة تشجع على:
- تبني أنظمة الإنتاج الرقمية، مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء (IoT) لتحسين الكفاءة وجودة المنتجات.
- إنشاء حاضنات أعمال ومراكز بحث وتطوير لدعم الابتكار المحلي، خاصة في المجالات التكنولوجية والبيئية.
- تعزيز الشراكات بين القطاع العام والخاص، مع دعوة شركات وطنية ودولية لنقل التكنولوجيا وأفضل الممارسات الصناعية.
- تقديم حوافز خاصة للمصانع التي تعتمد الأتمتة وتقنيات الإنتاج النظيف، بهدف تحفيز التحديث الصناعي.
ضمان استدامة البيئة الاستثمارية
ذكر زعيب أن المدينة تولي اهتمامًا خاصًا لضمان استدامة البيئة الاستثمارية من خلال سياسات متكاملة تشمل الطاقة والعمالة وتحفيز الصناعات المتقدمة. وأوضح أنه:
- في مجال الطاقة: دعم استخدام مصادر الطاقة البديلة، مع دراسة إمكانية إقامة محطات شمسية مخصصة داخل المدينة، وتشجيع المصانع على ترشيد استهلاك الطاقة من خلال تحديث الآلات واعتماد أنظمة كفاءة عالية.
- في مجال العمالة: التعاون مع مراكز التعليم المهني والتقني لتأهيل العمالة المحلية وفق متطلبات السوق الصناعي، والتركيز على توظيف الكوادر الوطنية، مع ضمان بيئة عمل آمنة وفق معايير السلامة المهنية، وتطبيق أنظمة واضحة لحماية حقوق العمال، بما يضمن التوازن بين الكفاءة والتكلفة.
- في مجال تحفيز الصناعات المتقدمة: تسهيل الإجراءات الإدارية وتقليص زمن منح التراخيص للمشاريع الحديثة، وإنشاء مجمعات تكنولوجية تُعنى بالصناعات المتقدمة مثل الإلكترونيات والبرمجيات والطاقة النظيفة، ودعم الشركات الناشئة من خلال حاضنات الأعمال وتقديم الاستشارات الفنية والمالية.
نقاط القوة التنافسية للمدينة الصناعية في حسياء
تشكل حسياء ورشة صناعية متكاملة بفضل ميزات تنافسية فريدة، من أبرزها:
- موقعها الاستراتيجي على الطريق الدولي M5، وتوسطها الجغرافي بين سوريا وبلاد الشام.
- قربها من مصادر المواد الأولية مثل الرمل والفوسفات والحجر الجيري والمواد الزراعية من مناطق القصير وحماة.
- توفر منطقة حرة داخل المدينة، تتيح مزايا جمركية وضريبية للمستثمرين.
- البنية التحتية المتكاملة، تشمل مصارف (عامة وخاصة)، وشبكات طاقة، واتصالات، ونقل.
- وجود مرفأ جاف ومحطات قطارات، مما يعزز القدرة اللوجستية.
من مركز صناعي إلى قطب تنموي مستدام
تسعى المدينة الصناعية في حسياء إلى أن تصبح قطبًا صناعيًا متقدمًا يُسهم بشكل فاعل في:
- تنشيط الاقتصاد الوطني من خلال تشغيل آلاف العمال وتحفيز الصناعات التحويلية.
- جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة من الدول الصديقة التي تبحث عن شراكات صناعية مستدامة.
- الاندماج في الأسواق الإقليمية، من خلال إنتاج سلع تنافسية في جودتها وتكلفتها.
وأكد زعيب أن: "حسياء ليست مجرد مدينة صناعية، بل هي نموذج لمستقبل الصناعة في سوريا، حيث يتكامل التطور التكنولوجي مع الاستدامة البيئية والتنمية الاجتماعية".
بوابة الصناعة السورية نحو المستقبل
مع التوجهات الحكومية الداعمة والبنية التحتية المتطورة والحوافز الاستثمارية الجاذبة، ترسخ المدينة الصناعية في حسياء مكانتها كواحدة من أبرز المشاريع الاقتصادية الحيوية في سوريا. وفي ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، تأتي حسياء كمصدر أمل في إعادة بناء قاعدة صناعية قوية، قادرة على التصدير والابتكار والتنافس على خريطة الاقتصاد الإقليمي.