تساؤلات عديدة تثار حول مشهد المحاكمة الذي عرضته وزارة العدل السورية الانتقالية لأربعة من رموز نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، بتهم تتعلق بانتهاكات بحق المدنيين. الأمر اللافت هو أن السلطة الحاكمة اليوم، وقبل سقوط نظام الأسد، كانت مطلوبة بذات الاتهامات، وعلى رأسهم أحمد الشرع.
النظام الجديد الذي يحاكم النظام السابق، شهد في عهده القصير بعد سقوط الرئيس السوري، توثيق مقتل 9889 شخصًا في مختلف أنحاء سوريا، خلال الفترة من 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 وحتى 6 آب/ أغسطس 2025، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وذلك نتيجة استمرار أعمال العنف والانتهاكات على أيدي أطراف محليين وخارجيين، إضافة إلى الفوضى الأمنية.
حاكمت السلطات الجديدة في دمشق رموز النظام السابق تحت مظلة القضاء التي شكلتها السلطات الانتقالية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول شرعية هذا القضاء الانتقالي، خاصة وأن هذه السلطات يفترض أنها جاءت لنقل السلطة إلى حكومة دائمة منتخبة.
بثت وزارة العدل الانتقالية مقطع فيديو على حسابها في منصة “تليغرام” بعنوان: “تحقيقات تحت مظلة القضاء مع موقوفين كانوا ذات يوم جزءًا من صناع القرار في عهد النظام البائد”، حيث ظهرت الشخصيات وهي تمثل أمام قاضي تحقيق، يواجههم بالتهم المسندة إليهم على خلفية الانتهاكات التي ارتكبوها بحق المدنيين على مدى 14 عامًا.
الشرعية لهذا القضاء، قدمتها السلطة الجديدة باسم القاضي توفيق عليوي، الذي انشق عن نظام الأسد، ثم أجلسه النظام الجديد أمام رموز نظامه السابق ليحاكمهم.
شملت المحاكمة كلا من وزير الداخلية السوري الأسبق محمد إبراهيم الشعار، ومدير إدارة المخابرات الجوية السورية السابق إبراهيم حويجة، ورئيس فرع الأمن السياسي السوري بدرعا عاطف نجيب (ابن خالة الأسد)، بالإضافة إلى المفتي السابق للجمهورية العربية السورية أحمد بدر الدين حسون، ومثلوا أمام قاضي التحقيق.
لا يزال غير معلوم على ماذا استند القاضي في اتهاماته الموجهة لرموز النظام السابق المذكورين، حيث وجهت للموقوفين تهم تشمل القتل العمد، والتعذيب المؤدي إلى الموت، والتحريض على الحرب الأهلية، والمشاركة في جرائم قتل وانتهاكات ممنهجة طالت آلاف المدنيين خلال 14 عامًا من النزاع. قد يرى البعض في هذه المحاكمات انتقامًا سياسيًا، ويتساءلون عمن سيحاكم المسؤولين من المعارضة السورية المسلحة عن مقتل جنود الجيش العربي السوري السابق.
دعا النائب العام السوري الانتقالي جميع الضحايا وذويهم إلى التقدم بشهاداتهم أو أي معلومات إضافية لدعم التحقيق، كما طالب المنظمات الحقوقية والإنسانية المعنية بالمساهمة في كشف الحقيقة عبر تقديم ما بحوزتها من وثائق وأدلة.
تُهمة “مفتي نظام البراميل” كانت كفيلة باعتقال مفتي سورية السابق أحمد بدر الدين حسون، حيث تم اعتقاله في مارس (آذار) الماضي بعد صدور مذكرة توقيف بحقه من قبل النائب العام في وزارة العدل، وتم إلقاء القبض عليه خلال محاولته التوجه خارج البلاد عبر مطار دمشق الدولي، لإجراء عملية جراحية، بعد أخذ الإذن بذلك من السلطات الانتقالية.
أما إبراهيم حويجة، فهو أحد المتهمين في المشاركة بعملية اغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، زعيم الحركة الوطنية اللبنانية، مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي في الـ16 من مارس 1977. ما هي الدلائل التي تؤكد اتهامه باغتيال كمال جنبلاط؟
عاطف نجيب، يكفيه أنه ابن خالة الرئيس السابق بشار الأسد، ويحمل رتبة عميد، ترأس فرع الأمن السياسي في مدينة درعا حتى عام 2011. السلطة الجديدة تتهمه باعتقال أطفال درعا وتقليع أظافرهم، الشرارة المزعومة التي أطلقت ثورة شعبية مسلحة ضد الدولة السورية.
لا تزال التحقيقات مستمرة، ضمن عملية تصفها السلطة الانتقالية بالشاملة لتفكيك شبكة النظام القديم.
مشهد محاكمة رموز نظام الأسد، ذكر بمشهد محاكمة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، أمام قاضي عراقي جاء على دبابة أمريكية، بينما جاء نظام الشرع بدعم تركي، حسبما ذكر أحد السوريين.
فيما كانت حكومة دمشق الانتقالية تعلن محاكمة بعض من رموز نظام الأسد، أعلنت لجنة شكلها حكمت الهجري تعيين العميد شكيب نصر قائدًا لأمن السويداء، والعميد أنور رضوان نائبًا له، وهما للمفارقة اللافتة من ضباط النظام السوري السابق.
بكل حال، هذه المحاكمة التي عرضت منها مقاطع قصيرة، لا يمكن أن تعبر عن محاكمة عادلة في ظل غياب حق المتهمين القانوني بالدفاع عن أنفسهم عبر محاميهم، والهدف منها استعراض إعلامي يشفي غليل السوريين الذين يرون برموز نظام الأسد ذنوبًا لا تغتفر، وهي الحاضنة التي يستند إليها الشرع. ولكن مع توفر الأدلة وغيابها عن جرائم الحرب التي ارتكبها رموز نظام الأسد، لم ينجح الشرع بالقبض على رموز الدولة السورية السابقة، الأمنية والسياسية، وهي التي تؤرقه على المدى البعيد، مع الإشارة إلى أنه لم يتم إدانة الرئيس السوري أو رموز نظامه، فقد عارضت دول حليفة لنظام الأسد، ولا سيما روسيا والصين، محاولات الأمم المتحدة محاكمة النظام السوري في المحكمة الجنائية الدولية.